الضربة الأمريكية التي استهدفت المواقع النووية الإيرانية، رغم تحديد موعد الجولة السادسة من المفاوضات بين واشنطن وطهران، قد تفضي إلى مزيد من الأزمات بدلًا من أن تفتح باب الحلول. ولسنا هنا بصدد الحديث عن الغضب العميق لدى الإيرانيين، الذين سيبذلون جهدهم أكثر من أي وقت مضى لامتلاك القنبلة النووية، لتحصين أنفسهم نهائيًا، بل نتحدث عن الزعيم الكوري الشمالي المخيف كيم جونغ أون. فالقائد الكوري الشمالي المثير للجدل لم يفوّت لحظة من مشاهد القصف الأمريكي الذي دمّر عقودًا من العمل النووي الإيراني. وقد أوحت له هذه الضربات بفكرة قاتمة، تعاكس تمامًا ما يتباهى به الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي من القضاء على القدرات النووية الإيرانية. فبدلًا من التراجع أو التهدئة، يبدو أن بيونغ يانغ قد تُسرّع وتيرة برنامجها النووي – الذي لم يزعم أحد يومًا أنه سلمي – وهو ما يعرفه العالم بأسره. فمنذ التسعينيات، يستهلك النظام الكوري الشمالي موارده المحدودة – في ظل حصار اقتصادي صارم – لتطوير ترسانته النووية. ويؤمن قادة بيونغ يانغ – ولعلهم محقّون – بأن السلاح النووي هو الضمانة الوحيدة لردع الولاياتالمتحدة عن مهاجمتهم، كما فعلت مع إيران لإنهاء النزاع الذي أشعلته إسرائيل. وبالنسبة إلى بيونغ يانغ، فإن ما فعلته أمريكا في إيران كان منعًا لامتلاك الأخيرة للسلاح النووي. لكن كيم جونغ أون يجلس اليوم بالفعل على ترسانة نووية تُقدّر بخمسين رأسًا نوويًا، بالإضافة إلى صواريخ باليستية قادرة على بلوغ الأراضي الأمريكية. وهذه القوة كافية لردع أي هجوم خارجي. ولذلك، ورغم الرعب الذي تزرعه كوريا الشمالية في صفوف حلفاء واشنطن، فإن الولاياتالمتحدة لم تجرؤ على التدخل عسكريًا. بل على العكس، فإن الرئيس دونالد ترامب يُدلّل كيم، ويصفه ب"الصديق" و"الرجل الذكي". وقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين التقى به في عام 2019 خلال ولايته الأولى. ومع كل حوار بين واشنطن وبيونغ يانغ، تُطرح مسألة نزع السلاح النووي الكوري الشمالي على الطاولة. وتُمارس الولاياتالمتحدة ضغوطًا متواصلة من أجل تفكيك الترسانة النووية الكورية، حتى يعود الأمان إلى اليابانيين والكوريين الجنوبيين. لكن هذا الملف بات أكثر تعقيدًا بعد أن رأى كيم جونغ أون بأم عينيه الثمن الباهظ الذي دفعته إيران لعدم امتلاكها قنبلة نووية. وقد رأى أيضًا أن السلاح النووي هو ما يمنع الأوروبيين من الذهاب بعيدًا في صراعهم مع روسيا، حليفة كوريا الشمالية. كما لاحظ أن حتى ترامب يتراجع أمام مواجهة محتملة مع فلاديمير بوتين، بل ويُحسن معاملته. كل تلك المعطيات تعزز قناعة كيم بأن السبيل الوحيد للنجاة هو تعزيز القوة النووية، لا التخلي عنها. واشنطن اليوم أمام معضلة جديدة، ولا يبدو أن الحل سيكون عبر قنابل GBU-59، فالأمريكيون ليسوا على استعداد لخوض مغامرة انتحارية. وسنرى كيف سيتصرف "سيد التقلّب والانقلاب" في البيت الأبيض أمام هذه القنبلة الكورية الساخنة.