في سابقة قانونية تحمل دلالات سياسية، أصدرت المحكمة الإدارية في مدينة نيس الفرنسية، يوم الخميس الماضي، قرارًا يُلزم بلدية المدينة بإزالة الأعلام الإسرائيلية المرفوعة على واجهتها منذ أكتوبر 2023، ما أعاد إلى الواجهة النقاشات حول حياد المؤسسات العامة الفرنسية في ظل تصاعد الحرب على غزة. عمدة نيس ينفّذ رغم اعتراضه رغم وصفه للقرار ب"الجائر"، بادر عمدة نيس كريستيان إستروسي إلى إنزال الأعلام بنفسه بعد أقل من 24 ساعة على صدور الحكم، مؤكدًا في تصريح إعلامي: "أنا جمهوري، وأحترم قرارات وقوانين بلدي"، في موقف بدا متوازنًا بين التزامه بالقانون وتعبيره عن موقفه السياسي. حملة قانونية قادتها جمعية مؤيدة لفلسطين منذ أكتوبر 2023، كانت جمعية "أصدقاء فلسطين" في نيس تطالب بإزالة هذه الأعلام، معتبرة أن رفعها يمثل انحيازًا سياسيًا غير مقبول من مؤسسة عمومية. وقالت رئيسة الجمعية، هاجر بركوس، إن الجمعية أرسلت طلبًا رسميًا للبلدية دون تلقي رد، ما دفعها للجوء إلى القضاء الإداري بعد مرور المهلة القانونية. وباسم عدد من سكان نيس دافعي الضرائب، تقدّمت المحامية الفرنسية ميراي داميانو بإشعار رسمي لرئيس البلدية في أبريل الماضي، تبعته برفع دعوى قانونية بعد انقضاء المهلة دون رد. وقد برّرت الإجراء القانوني بخرق مبدأ حياد المرفق العام، إضافة إلى الوضع الإنساني الكارثي في غزة، معتبرة أن رفع الأعلام يبعث برسالة سياسية منحازة في ظرف دولي شديد التوتر. قرار المحكمة: احترام الحياد وموقف فرنسا من الحرب أمهلت المحكمة بلدية نيس 5 أيام لإزالة الأعلام، معتبرة أن استمرارها يرمز إلى دعم سياسي لدولة إسرائيل، وهو ما يتعارض مع مبدأ حياد المرافق العمومية. وأخذت المحكمة في اعتبارها موقف فرنسا الرسمي في مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في غزة، إضافة إلى إمكانية اعتراف باريس بدولة فلسطين. وفيما برّرت البلدية رفع الأعلام بأنه دعم ل"المحتجزين الإسرائيليين"، اعتبرت المحكمة أن هذه الحجة لا تصمد أمام الطابع الرمزي والدائم لرفع الأعلام. إستروسي يرد ويتهم خصومه في تغريدة على منصة "إكس"، هاجم إستروسي القرار القضائي قائلاً: "منذ 7 أكتوبر 2023، كثّف حزب 'فرنسا الأبية' هجماته المعادية للسامية، ونجحوا اليوم في إجبارنا على إزالة علم إسرائيل". لكنه امتثل للحكم واستبدل الأعلام بملصقات وصور دعائية لدعم الأسرى الإسرائيليين، إضافة إلى صور لمواطنَين فرنسيَّين معتقلَين في إيران، ودعمًا للكاتب بويليم سانسال. انتصار قانوني ودلالة رمزية وصفت المحامية داميانو الحكم بأنه "انتصار قانوني للحياد الجمهوري"، معتبرة أن استخدام المؤسسات العمومية لرموز سياسية منحازة يُضعف ثقة المواطنين في حياد الدولة. من جانبها، رأت الناشطة هاجر بركوس أن الحكم "نقطة تحوّل حاسمة"، خاصة أنه أجبر رئيس البلدية على التراجع عن موقفه رغم محاولاته السابقة لتحدي القانون. وفي وقت تواصل فيه الحرب على غزة مفاقمة الأزمة الإنسانية، يستمر النشطاء في مدينة نيس في تنظيم وقفات احتجاجية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، مؤكدين أن القرار الأخير يعزز صوت العدالة والحياد، ويبعث برسالة تضامن قانوني وإنساني في وجه الانحياز الرسمي.