مددت مصر وإسرائيل اتفاق استيراد الغاز الطبيعي حتى سنة 2040، بقيمة إجمالية تبلغ 35 مليار دولار، في خطوة تأتي وسط عجز متواصل في الطاقة تعاني منه القاهرة، التي تجد صعوبة في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة لسكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة. وللحفاظ على معدل نمو سنوي لا يقل عن 5% واستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، تحتاج مصر إلى ضمان إمدادات مستقرة من الطاقة، في وقت تشهد فيه إنتاجها المحلي تراجعًا منذ عدة سنوات. إنتاج متراجع واستهلاك متصاعد تشير البيانات الرسمية إلى أن إنتاج مصر من النفط والغاز انخفض من 5,5 ملايين طن في أفريل 2024 إلى 4,7 ملايين طن في أفريل 2025، فيما ارتفع الاستهلاك من 6,2 ملايين طن إلى 6,3 ملايين طن خلال الفترة نفسها. والنتيجة: عجز متفاقم بلغ 700 ألف طن في أفريل 2024، وازداد حدة في 2025. وتعد القطاعات الأكثر استهلاكًا للغاز الطبيعي — مثل الأسمدة، والإسمنت، والصلب — إضافة إلى المشاريع العقارية والسياحية الممولة من دول الخليج، من أبرز العوامل التي تزيد الضغط على الإمدادات الطاقية. عجز متزايد في الميزان البترولي بعد أن كانت مصر لسنوات طويلة مُصدّرًا صافيًا للنفط والغاز، أصبحت اليوم مستوردًا صافيًا. ففي الفترة بين 2019/2020 و2023/2024، سجلت الميزانية البترولية فائضًا في عامين فقط: 4,4 مليارات دولار في 2021/2022، و400 مليون دولار في 2022/2023. أما في 2023/2024، فقد بلغ العجز 7,6 مليارات دولار، وقفز بين جويلية 2024 ومارس 2025 إلى 10,3 مليارات دولار، وفق وزارة المالية والبنك المركزي المصري. وتشمل هذه الأرقام حصص الشركاء الأجانب، ما يرجح أن يكون العجز الفعلي أكبر من ذلك. وكان من المفترض أن يحقق حقل "ظهر"، الذي اكتُشف سنة 2015 ودخل حيز الإنتاج مطلع 2018، الاكتفاء الذاتي لمصر في مجال الطاقة. لكن الإنتاج تراجع من 2,7 مليار قدم مكعب يوميًا في جانفي 2024 إلى 1,4 مليار في جانفي 2025. وتعزى هذه التراجعات إلى عدة أسباب، منها تأخر سداد المستحقات لشركة "إيني" الإيطالية، ونضوب بعض الاحتياطيات، إضافة إلى تحديات تقنية. والنتيجة أن مصر عادت إلى حالة العجز الطاقي اعتبارًا من السنة المالية 2023/2024. غموض في تفاصيل الاتفاق مع إسرائيل رغم الإعلان عن تمديد اتفاق الغاز مع إسرائيل حتى 2040 بقيمة 35 مليار دولار، لم تُكشف آلية التسعير. وفي مثل هذه العقود طويلة الأمد، يُفترض أن يتبع سعر المليون وحدة حرارية السوق الدولية. فالسعر الثابت قد يصب في مصلحة طرف واحد: البائع إذا هبطت الأسعار، أو المشتري إذا ارتفعت. وتغذي التجربة السابقة لمصر — حين كانت تصدّر الغاز إلى إسرائيل بسعر 1,2 دولار للمليون وحدة حرارية في وقت كان السوق يدفع أضعاف ذلك — حالة من الحذر. فقد أدت تلك الفجوة السعرية إلى توترات دبلوماسية وكادت أن تفضي إلى تحكيم دولي، قبل توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص سنة 2013. تنويع مصادر الإمداد وضمان الأمن الطاقي وإلى جانب الغاز القادم من إسرائيل عبر الأنابيب، تمتلك مصر وحدتين عائمتين لإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى حالته الغازية، ما يتيح لها استيراد الغاز من موردين آخرين، لا سيما العرب، بهدف تقليص الاعتماد على شريك واحد في منطقة مضطربة سياسيًا. وقد تعرض خط الأنابيب الواصل بين إسرائيل ومصر لهجمات بعد ثورة 2011 وأثناء أعمال العنف في سيناء، ما يبرز هشاشة البنية التحتية لهذا المسار. دور إقليمي لم يكتمل كان اتفاق 2018 مع إسرائيل وإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (EastMed Gas Forum) يهدفان إلى جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة. غير أن الميزان البترولي والغازي لم يظهر تحسنًا ملموسًا منذ ذلك الحين. وتظل صادرات الغاز المصرية إلى أوروبا محدودة بفعل ضعف الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب الداخلي. ومنذ مطلع الألفية، غالبًا ما جرت الاتفاقات الغازية بين مصر وإسرائيل عبر القطاع الخاص، ما جعلها خارج نطاق الرقابة البرلمانية. أما العقد الحالي، فتديره من الجانب المصري شركة "دولفينوس هولدينغز" المملوكة لرجل الأعمال علاء عرفة. وتحول هذه السرية دون معرفة التفاصيل الدقيقة لبنود الاتفاق، بما في ذلك آليات التسعير وشروط المراجعة في حال حدوث تقلبات كبيرة في الأسعار العالمية. قراءة تحليلية استراتيجيًا، يجمع اتفاق الغاز بين مصر وإسرائيل أبعادًا اقتصادية وطاقية وجيوسياسية. فعلى الصعيد الطاقي، يلبي الاتفاق حاجة عاجلة لتأمين الإمدادات للصناعة والاستهلاك المنزلي، لكنه لا يعالج جذور المشكلة المتمثلة في تراجع الإنتاج المحلي. أما اقتصاديًا، فسيتوقف الأثر على شروط التسعير المتفق عليها، ومدى قدرة البلاد على توظيف الغاز المستورد في تحفيز الإنتاج الصناعي وتحسين ميزان المدفوعات. وجيوسياسيًا، تجعل هذه التبعية لمصدر إسرائيلي في قطاع حيوي كمجال الطاقة، مصر عرضة للمخاطر الناجمة عن التوترات الإقليمية وعدم استقرار العلاقات الثنائية. وفي النهاية، قد تجد مصر نفسها عالقة في حلقة مفرغة من الاعتماد الطاقي المكلف والهش، بما يقوض طموحاتها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة. تعليقات