انطلقت الحكومة الجديدة برئاسة سيباستيان لوكورنو على وقع أزمة غير مسبوقة، بعد أن نشر برونو ريتايو، الذي تم تعيينه وزير دولة، رسالة حادة اللهجة على منصة إكس (تويتر سابقًا) خلال الساعات الأولى من عمر الحكومة. خطوة أثارت تساؤلات حول تماسك الفريق الحكومي و طريقة تشكيله و إمكانية صموده داخل البرلمان. رسالة برونو ريتايو المنشورة على منصة "إكس" جاء فيها : «تشكيلة الحكومة لا تعكس القطيعة الموعودة. و بالنظر إلى الوضع السياسي الذي خلّفه هذا الإعلان، أدعو اللجنة الاستراتيجية لحزب الجمهوريين للاجتماع صباح الغد». و يبرز في هذا الموقف عنصران أساسيان : أولًا، التشكيك العلني في وعد «القطيعة» الذي حمله الخطاب الحكومي و ثانيًا، إعادة تفعيل دوره الحزبي من خلال الدعوة المباشرة لاجتماع قيادة حزب الجمهوريين (LR). و بالنسبة لوزير دولة تم تعيينه حديثًا، يُعدّ هذا الموقف استثنائيًا، إذ إن القاعدة غير المعلنة عند تشكيل أي حكومة جديدة تقوم على الانضباط في التواصل الإعلامي و إظهار الوحدة خلال المرحلة الأولى. معلومات غير مؤكدة تغذي الأزمة تداولت عدة مصادر معلومات غير مؤكدة تفيد بأن: * ريتايو لم يكن على علم كامل بأسماء الوزراء قبل الإعلان الرسمي * وأنه عارض عودة برونو لو مير إلى وزارة الجيوش. و في حال صحّت هذه التسريبات، فإنها ستكشف عن خلل في التنسيق و خلاف استراتيجي على أعلى مستوى. و حتى إن كانت هذه المعلومات بحاجة إلى التثبت، فإنها تساهم في ترسيخ انطباع بأن شريك الجمهوريين لم يُشرك فعليًا في القرارات النهائية. و رغم أن الوزير لا يُلزم قانونًا ب«واجب التحفّظ» المفروض على الموظفين العموميين، إلا أن مبدأ التضامن الحكومي يظل قاعدة أساسية: إذ يفترض أن يتطابق الخطاب العام مع التوجه الرسمي للحكومة. و بإعلانه التمسك براية حزب الجمهوريين وانتقاده لما اعتبره «قطيعة غير كافية»، يتصرّف ريتايو بصفته زعيم حزب أكثر مما يتصرّف كعضو في حكومة جماعية. النتيجة المباشرة: انشغل الرأي العام بخلاف داخلي حول المنهج السياسي وطريقة العمل، في حين تراجع الاهتمام بالملفات الأساسية للحكومة مثل الأمن، والقدرة الشرائية، والخدمات العامة. المعركة البرلمانية: اختبار بالغ الخطورة تواجه الحكومة الجديدة ثلاثة مفاتيح أساسية في مسارها البرلماني: * المادة 49-1 (تصويت الثقة على البيان الحكومي): تتطلب أغلبية بسيطة، وهي غير مضمونة في حال انقسام الجمهوريين أو انحيازهم للمعارضة. * المادة 49-2 (اقتراح حجب الثقة): يمكن للمعارضة أن تحشد أغلبية سلبية في حال فشل الحكومة في تثبيت قاعدتها البرلمانية. * المادة 49-3 (تحمّل المسؤولية عن مشروع قانون): خيار ممكن، لكنه مكلف سياسيًا لأنه يوحّد صفوف المعارضة ويزيد خطر سقوط الحكومة. وبعبارة أوضح: من دون دعم كافٍ من الجمهوريين، قد تتفادى حكومة لوكورنو تصويتًا رسميًا على الثقة، لكنها لن تصمد طويلًا أمام سلسلة مشاريع القوانين من دون تحالفات مستقرة. السيناريوهات خلال 72 ساعة تلوح في الأفق ثلاثة مسارات محتملة لهذه الأزمة السياسية التي تعصف بالحكومة الجديدة: * السيناريو الأول: التوضيح السريع. * يصدر برونو ريتايو تصريحًا أو مقابلة لتوضيح موقفه، مقابل الحصول على ضمانات بشأن أولويات الحكومة وتوزيع المناصب وجدول العمل. في هذه الحالة، يسعى الإليزيه إلى ترميم الصورة عبر سلسلة إعلانات تهدئ التوتر، مع خسارة محدودة في الرصيد المعنوي ولكن الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك. * السيناريو الثاني: تعديل جزئي. * قد تلجأ الحكومة إلى تعديل رمزي يشمل بعض الحقائب أو تفويضات جديدة، لتقديم إشارات إيجابية إلى اليمين وإثبات وجود «القطيعة» التي وعد بها إيمانويل ماكرون. غير أن هذا المسار قد يفتح الباب أمام سلسلة لا تنتهي من التنازلات المتبادلة، ما يهدد بزعزعة استقرار الفريق الحكومي. * السيناريو الثالث: الاستقالة. * و هو الأكثر خطورة. في حال قرر ريتايو مغادرة الحكومة، فإن حزب الجمهوريين قد يتجه نحو تشديد مواقفه، مما يؤدي إلى انهيار التوازن الهش للأغلبية. * عندها، تصبح ثقة البرلمان شبه مستحيلة، وقد تُطرح مذكرة حجب الثقة في أول مناسبة، ما سيجبر الحكومة على إعادة تشكيل فريقها، أو حتى إعادة النظر في منهجها السياسي بأكمله. و بمرور الوقت، قد تتطور الأزمة إلى انسداد مؤسسي خطير يثير نقاشًا حول حلول دستورية أكثر جذرية، إذا ما استمر الجمود السياسي. ما وراء الأزمة: اختبار استقرار السلطة تدور خلف هذه الأزمة ثلاثة احتمالات — التوضيح، التعديل أو القطيعة — وكلها تتجاوز مجرد حادثة عابرة، إذ تمسّ استقرار السلطة ذاتها. فعبارة واحدة نشرها وزير على العلن كانت كفيلة بإحداث زلزال سياسي، حوّل الأنظار من برنامج الحكومة إلى صراع داخلي على الأسلوب والنفوذ. إما أن تُغلق هذه الصفحة بسرعة عبر رسائل طمأنة وانضباط إعلامي، أو تفتح الباب أمام مرحلة هشاشة سياسية قد لا تنجو منها حكومة لوكورنو من دون دعم صلب من الجمهوريين. و في كلتا الحالتين، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على الانسجام، لأن بدونه ستظل الحكومة الفرنسية تحاول الحكم… تحت إنذار دائم. تعليقات