يعتبر التحول الايكولوجي محورا رئيسيا في مواجهة التحديات البيئية مثل تغير المناخ ونضوب الموارد الطبيعية من خلال سنّ السياسات والتشريعات التي تفعّله، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، في سياق ضمان تأثيره على الاقتصاد والمجتمع باعتماد التقنيات الحديثة والابتكار كالطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء والتحسينات في كفاءة استخدام الموارد الطبيعية المتاحة. كما يتقاطع هذا المفهوم مع الاقتصاد الأخضر الذي يعتبر نموذجاً اقتصادياً يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية بشكل مستدام مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية ويتضمن استخدام الموارد بكفاءة، وتحفيز الابتكار التكنولوجي لتطوير حلول بيئية، وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة وتكنولوجيا الإعادة والرسكلة في الصناعة والمشاريع الفلاحية والسياحة بالأساس. تحول محوري في خطوة وُصفت ب"التحول الأخضر الأهم منذ عقد"، أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، الثلاثاء الماضي، عن إطلاق برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر في تونس، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في إطار خطة تهدف إلى تعزيز تنافسية القطاع الخاص ودعم الانتقال نحو اقتصاد مستدام بيئيًا. ويمثل هذا البرنامج، وفق ما أكده البنك في بلاغه الرسمي، المبادرة الأولى من نوعها في تونس، إذ يخصص تمويلات بقيمة 59 مليون اورو (أي حوالي 200,9 مليون دينار) ستُمنح على شكل قروض دون ضمان إلى ما يصل إلى ست مؤسسات مالية محلية، لتتولى بدورها إسناد تمويلات للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في مجالات الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية والتأقلم مع التغيرات المناخية. اقتصاد بأفق طموح سيُوجّه التمويل لدعم مشاريع النجاعة الطاقية والاقتصاد الدائري، مع إرساء آلية جديدة لتغطية مخاطر الصرف بأسعار مخفّضة لفائدة البنوك التونسية، بفضل دعم الاتحاد الأوروبي. ويأتي البرنامج في وقت تشهد فيه تونس ارتفاعًا بنسبة قياسية في انبعاثات الغازات الدفيئة خلال الثلاثين سنة الأخيرة، بسبب توسع الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وفي هذا السياق، تبرز التزامات تونس البيئية كعامل حاسم في هذا التوجه، حيث حدّدت البلاد سنة 2021 هدفا طموحا بتقليص الكثافة الكربونية بنسبة 45% في أفق سنة 2030. ويسعى البرنامج الجديد إلى تمكين عدد أكبر من المؤسسات التونسية من تبنّي تكنولوجيات تقلل استهلاك الطاقة والانبعاثات، بما يُتوقع أن يُسهم في خفض أكثر من 26 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا. تونس في قلب الديناميكية العالمية يتضمّن المشروع أيضًا مكونًا فنيًا بين البنك الأوروبي والاتحاد الأوروبي لتعزيز قدرات المؤسسات المالية المحلية، مع التركيز على ضمان المساواة في النفاذ إلى التمويل الأخضر بين النساء والرجال. كما سيقدّم الاتحاد الأوروبي منحًا تحفيزية للمؤسسات التي تتبنى تكنولوجيات عالية الكفاءة والمعايير البيئية المتقدمة. على الصعيد الدولي، يعمل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية عبر 191 مؤسسة مالية في 29 دولة، باستثمارات بلغت 6.3 مليارات يورو، مكّنت أكثر من 231 ألف مؤسسة من تقليص أكثر من 10 ملايين طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا. ومنذ انطلاق نشاطه في تونس سنة 2012، ضخ البنك أكثر من 2.78 مليار يورو في 83 مشروعًا، خصّص منها 66% للقطاع الخاص. هذا وتبدو الرسالة واضحة اليوم حيث تضع تونس نفسها على سكة التحول البيئي الذكي، وتفتح الباب أمام مؤسساتها لتكون فاعلًا أساسيًا في معركة العالم ضد التغير المناخي، مستفيدة من دعم أوروبي قوي وتجربة مالية دولية رائدة.