تتابع الأسواق المالية عن كثب مؤشرًا نادرًا ما يكون تحت الأضواء: «نسبة الذهب إلى النفط»، التي تقيس عدد براميل النفط الممكن شراؤها بأونصة واحدة من الذهب. ويُعدّ هذا المؤشر «ميزان حرارة» لثقة الاقتصاد العالمي، وقد بلغ للتو مستوى غير مسبوق منذ جائحة 2020. مع تداول الذهب عند 4,227 دولارًا للأونصة وخام برنت عند 61.2 دولارًا للبرميل، ترتفع النسبة اليوم إلى 69، وفق بيانات جمعتها «دويتشه بنك». وهو رقم قياسي يعكس تباعدًا تاريخيًا بين السلعتين: قفزة مذهلة في الذهب من جهة، وضعفًا مستمرًا في النفط من جهة أخرى. مقياس للخوف الاقتصادي الفكرة بسيطة: يعكس النفط حيوية النشاط الاقتصادي، فيما يعمل الذهب كملاذ آمن في فترات عدم اليقين. وعندما يتباطأ النشاط، تتراجع شهية الطلب على النفط بينما يرتفع الذهب، في إشارة إلى بحث المستثمرين عن التحوّط. يقول ستيفن إينيس، المحلل لدى «سباي إيه إم»: «النفط، وهو ركيزة الاقتصاد الحقيقي، يتعرض لضغط هبوطي عندما تَخبو وتيرة النمو، فيما يُطلَب الذهب في مثل هذه الحالات». كانت هذه النسبة قد تجاوزت مؤقتًا 88 برميلًا في أفريل 2020، في ذروة الانهيار الاقتصادي المرتبط بكوفيد-19، قبل أن تعود دون 50. واليوم، تعود لتتجاوز بوضوح مستوى 60، وهو عتبة لم تشهدها الأسواق منذ ذلك الحين. ووفق «دويتشه بنك»، قد تبلغ 72 إلى 73 في 2026، مع تقدير خام برنت عند 55 دولارًا للبرميل وأونصة الذهب حول 4,450 دولارًا. الذهب يشتعل، والنفط يتعثّر منذ 1 جانفي 2025، قفز سعر الذهب بنسبة 60% بدفع من مجموعة عوامل، أبرزها: * تراجع الدولار الأمريكي، * خفض معدلات الفائدة من جانب «الاحتياطي الفيدرالي» الأمريكي، * عودة المستثمرين المؤسساتيين والصناديق المتداولة في البورصة (ETF) بقوة إلى المعدن النفيس، * وقبل كل شيء، مشتريات قياسية من البنوك المركزية في الدول الناشئة (الصين، تركيا، بولندا). بالنسبة لهذه البنوك، يمثّل ذلك بقدرٍ متساوٍ خطوة تنويع استراتيجية واستجابة جيوسياسية للعقوبات الغربية، ولا سيما تجميد الأصول الروسية. في المقابل، يعاني النفط من واقع معاكس: زيادة في الإنتاج العالمي من الخام، خصوصًا بفضل «أوبك+» والنفط الصخري الأمريكي، فيما يظل الطلب مكبوحًا بتباطؤ النمو العالمي. وقد فقد خام برنت 15% من قيمته في 2025. وتشير «غولدمان ساكس» أيضًا إلى عناصر جيوسياسية مهدِّئة: خفض التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس، فضلًا عن استمرار المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وهي عوامل تضغط على أسعار النفط. إشارة تستوجب الحذر في قراءتها يرى بعض الخبراء أن الارتفاع الحاد في «نسبة الذهب إلى النفط» يُعد علامة على توتر عميق في الأسواق. وتعتبر «دي دبليو إس» أنها «انعكاس لتزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي». لكن آخرين يبدون قدْرًا من التحفّظ: فرغم هذه الإشارات، تبقى «وول ستريت» مستقرة، بل إن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» سجّل في سبتمبر أفضل أداء شهري له منذ 15 عامًا (+3.5%). وتُذكّر شركة التداول «بيبرستون» بأن «النسبة تظل مؤشرًا رياضيًا، ولا تعكس دائمًا واقع الأسواق بدقة». وبعبارة أخرى، قد يكون اتساع الفجوة بين الذهب والنفط أقلّ تعبيرًا عن حالة ذعر، وأكثر ارتباطًا بالديناميات الهيكلية الراهنة: فائض عرض نفطي، سياسة نقدية تيسيرية، وإعادة تشكيل جيوسياسي حول احتياطات الذهب. نحو قمم جديدة؟ بالنسبة إلى «دويتشه بنك»، فإن النزعة الصعودية للنسبة ما زالت بعيدة عن نهايتها. وطالما استمر المستثمرون في تفضيل الذهب كملاذ آمن وظلت أسعار النفط متدنية، فمن المرجح أن يتسع الفارق أكثر. في الخلفية، تعمل هذه النسبة كمرآة للاقتصاد العالمي: فهي تعكس تراجع ثقة الأسواق بالنمو الحقيقي لصالح الأمان المالي. إشارة تُراقبها عن كثب المؤسسات الكبرى، في وقت تتزايد فيه تقلبات الجغرافيا السياسية وتتعمّق التوترات التجارية. تعليقات