خلال لقاءات الأعمال تونس 2025 – نحو التنمية الصناعية المشتركة بين فرنساوتونس، التي انعقدت في باريس يوم 28 أكتوبر 2025، ألقى رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (UTICA) سمير ماجول خطابًا مؤثرًا حول آفاق الشراكة الاقتصادية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. الحدث، الذي نظمته «بيزنس فرانس» (Business France)، جمع ممثلين مؤسساتيين واقتصاديين من البلدين، في مناخ يسوده التعاون الصناعي والاستثمار المستدام. إشادة بالحضور وتأكيد على عمق العلاقات في كلمته الافتتاحية، حيّا ماجول حضور الشخصيات الفرنسية والتونسية الرفيعة، من بينها آن غوغان، سفيرة فرنسا في تونس، وضياء خالد، سفير تونس في فرنسا، إضافة إلى مسؤولين من بيزنس فرانس، ومنظمة أرباب العمل الفرنسية (MEDEF)، وغرفة التجارة والصناعة التونسية الفرنسية (CCIT France-Tunisie). وقال ماجول: «أتحدث اليوم في باريس بكل فخر، في هذا اللقاء الاقتصادي الذي تنظمه بيزنس فرانس، وهو رمز لتميز تعاوننا الاقتصادي، وللإمكانات الهائلة التي يتيحها التطوير الصناعي المشترك بين بلدينا». أرقام تؤكد علاقة استراتيجية ذكّر رئيس الUTICA بأن فرنسا ما تزال الشريك الاقتصادي الأول لتونس، إذ بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 11.5 مليار يورو سنة 2024، وتوجد في تونس 1,700 شركة فرنسية تشغّل نحو 170 ألف تونسي. كما تحتل فرنسا المرتبة الأولى في الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس، بنسبة تقارب 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، أي نحو 190 مليون يورو سنويًا. وأكد ماجول أن هذه الأرقام تعكس علاقة ثقة وتكامل قائلاً: «شركاتنا الفرنسية والتونسية هي عناصر فاعلة في التكامل المتوسطي، تُنتج القيمة على ضفتي البحر». تونس… ملتقى للفرص الصناعية وبحسب ماجول، فإن أهم مقومات تونس تتمثل في: – اقتصاد متنوع، تُمثل الصناعة فيه جزءًا مهمًا من الناتج المحلي الإجمالي، مع قطاعات واعدة كصناعة الطيران والسيارات والإلكترونيات والبلاستيك والنسيج التقني؛ – اندماج صناعي في سلاسل القيمة الفرنسية والأوروبية، يجعل من تونس «مركزًا للإنتاج والابتكار» للشركات الفرنسية؛ – رأس مال بشري مؤهل، يتقن اللغة الفرنسية ومدرّب وفق المعايير الأوروبية، وهو ما يمثل ميزة تنافسية للاستثمار الفرنسي والأوروبي؛ – موقع جغرافي استراتيجي في قلب المتوسط، قريب من أوروبا ومنفتح على إفريقيا، ما يجعل من تونس «منصة صناعية ولوجستية» للجانبين؛ – نظام تكنولوجي في تطور متسارع في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والسيادة الرقمية والانتقال الطاقي، وهي قطاعات تسعى تونس إلى التموقع فيها كشريك مبتكر؛ – اللغة الفرنسية التي تحافظ على حضورها وقيمتها في النظام التعليمي التونسي، مما يسهل التعاون مع الشركات الفرنسية والأوروبية ويعزز جاذبية البلاد للمستثمرين الفرنكوفونيين. واعتبر ماجول أن هذه المزايا تجعل من تونس ليست خيارًا بديلًا، بل حلاً استراتيجيًا للشركات الأوروبية الباحثة عن القرب والكفاءة والاستدامة. وأضاف: «تونس أرض ابتكار وكفاءات، تتجه بثقة نحو الأسواق الأوروبية والإفريقية والعربية، وتمثل شريكًا موثوقًا ومرنًا للمؤسسات الفرنسية». كما شدّد على أن الذكاء الاصطناعي والسيادة الرقمية يمثلان اليوم ركيزتين رئيسيتين في الديناميكية التكنولوجية الجديدة للبلاد. دعوة إلى تنمية مشتركة ومستدامة وأوضح ماجول أن الموقع الاستراتيجي لتونس ليس مجرد معطى جغرافي، بل هو رافعة اقتصادية ولوجستية وجيوسياسية تخدم نموذج التنمية الصناعية المشتركة في الفضاء الأورو-متوسطي. وقال: – «تونس تقع في قلب المتوسط، على بُعد ساعات قليلة من أهم العواصم الأوروبية والإفريقية، ما يمنحها ميزة لوجستية حاسمة». – «هذا الموقع يجعل منها ملتقىً للفرص الصناعية ومنصة استراتيجية بين أوروبا وإفريقيا». – أشار إلى البنية التحتية الصناعية والمينائية المتطورة، خاصة مشروع ميناء النفيضة العميق الذي وصفه بأنه مشروع هيكلي يربط إفريقيا بأوروبا. – كما أكد أن تونس قاعدة إنتاج مكمّلة لفرنسا، قادرة على تعزيز السيادة الصناعية الأوروبية وتقليص التبعية لسلاسل التوريد الآسيوية. – وأضاف: «المتوسط مسؤوليتنا المشتركة، ويجب أن تعود تونس مركزًا للإنتاج والابتكار والاستدامة على ضفتيه». ودعا ماجول إلى مقاربة متوازنة وبراغماتية في التنمية المشتركة، مؤكدًا ضرورة تبسيط الإطار القانوني للاستثمار في تونس من أجل تحفيزه وتعزيز التنافسية الصناعية. وقال: «علينا تطوير تشريعاتنا الاقتصادية لتصبح بيئة جاذبة، لا جنة ضريبية، بل جنة للاستثمار والتنمية». النواب التونسيون شركاء في الإصلاح الاقتصادي أشاد ماجول بحضور نواب من مجلس نواب الشعب في باريس، معتبرًا مشاركتهم دليلًا على التزام المؤسسات التونسية بتحديث الإطارين الاقتصادي والقانوني. وقال: «وجودهم دليل على التزامهم، فبمسؤولية البرلمان سنُحدث التغيير في مناخ الأعمال وتشريعاتنا الاقتصادية». وأضاف أن تحفيز الاستثمار يمر عبر تبسيط القوانين، خاصة قانون الاستثمار الذي وصفه بأنه «معقد ويحتاج إلى إعادة هيكلة». «هدفنا أن نجعل التشريع الاقتصادي في تونس جنة للاستثمار، حيث تحل الشفافية والنمو محل التعقيدات الإدارية». وشدّد على أهمية العمل المشترك بين المؤسسات والبرلمان والقطاع الخاص لجعل تونس أكثر تنافسية وجاذبية للمستثمرين الدوليين: «قوانين المالية تمر عبر البرلمان، وعلينا أن نقارن تشريعاتنا بتشريعات منافسينا لنفهم لماذا يختار المستثمرون بلدانًا أخرى وكيف نُقنعهم بالبقاء لدينا». فرنسا تستعد لرئاسة مجموعة السبع أشار ماجول إلى أن فرنسا ستتولى قريبًا رئاسة مجموعة السبع (G7)، معتبرًا ذلك فرصة للدفاع عن سياسة تجارية أكثر عدلاً وبراغماتية على المستوى الدولي. وقال: «ستكون أمام فرنسا، خلال رئاستها المقبلة لمجموعة السبع، فرصة لطرح مسألة الاختلالات التجارية وفائض القدرات الصناعية الذي يشوه المنافسة العالمية». وتطرّق إلى الفوائض الإنتاجية الصينية التي وصفها بأنها «من أبرز مصادر التشويه في التجارة الدولية»، داعيًا إلى تحرك منسّق بين الاقتصادات الغربية الكبرى. وأضاف: «لقد أنشأنا تبعيات صناعية نتيجة استراتيجيات بعض المنافسين الاقتصاديين، وعلى رأسهم الصين، التي تدعم قطاعاتها بشكل مكثف». وأكد أن على فرنسا، في إطار رئاستها للمجموعة، أن تدافع عن تجارة عالمية قائمة على مبدأي المعاملة بالمثل والاستدامة، مشيرًا إلى أن تونس تشارك هذه الرؤية. «نحن نعوّل على فرنسا، في رئاستها المقبلة لمجموعة السبع، لتتبنّى مقاربة متوازنة قائمة على الشفافية والمسؤولية». فرنساوتونس… شريكان طبيعيان في المتوسط ذكّر ماجول بأن تونس كانت أول بلد من جنوب المتوسط يوقع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 1995، وهو ما فتح الطريق أمام تعاون اقتصادي وصناعي وتجاري منظم جعل منها شريكًا متميزًا للسوق الأوروبية. وأضاف: «تونس شريك مميز للاتحاد الأوروبي، وفرنسا كانت دائمًا من أبرز الداعمين لتونس داخل المؤسسات الأوروبية». ورأى أن هذه العلاقة القائمة على الثقة والتكامل منذ عام 1995 تمثل أساسًا متينًا لبناء مرحلة جديدة من التنمية الصناعية المشتركة، قائمة على الابتكار والاستدامة والسيادة الاقتصادية المتبادلة. ودعا إلى تعزيز الممر الصناعي الأورو-متوسطي الذي يربط سلاسل القيمة الفرنسية بالتونسية، مؤكدًا أن تونس يجب أن تُعتبر حلاً استراتيجيًا للصناعة الأوروبية الساعية إلى القرب والاستدامة. وفي ختام كلمته، وجّه ماجول دعوة مباشرة للمستثمرين الفرنسيين قائلاً: «انظروا إلى تونس بعين الطموح. في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، نلتزم بمرافقة كل مشروع، وتذليل الصعوبات، وتهيئة الظروف لشراكة مستدامة». واختتم بتصريح لاقى تفاعلًا كبيرًا من الحضور: «فرنسا أولوية لتونس، ويجب أن تكون تونس أولوية لفرنسا». تعليقات