من المعروف أن إيلون ماسك من أشدّ المروّجين للأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة؛ فهو الذي جرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قصة «الاضطهاد» و«الإبادة» التي يتعرّض لها البيض في جنوب إفريقيا. و هي معلومة مغلوطة كانت لها تبعات ثقيلة، إذ أثّرت حتى في مسار سياسة الهجرة الأمريكية ودفعت ترامب إلى مقاطعة قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا، الأولى من نوعها على القارة. لكن يبدو أن ماسك قرّر اليوم «تدارك» الأمر – على الأقل هذا ما يوحي به – ليفتح باب الانفراج أمام ضحاياه على منصته X (تويتر سابقاً). مالك شبكة التواصل أطلق مؤخراً خاصية جديدة تكشف أكثر بكثير عن هويات الحسابات المتخفية. انتهى زمن السرية التامة الذي سمح ل«جيوش الظل» بالاختباء خلف الشاشات لتشنّ هجماتها الكثيفة على الدول. صحيح أن ماسك لم يذهب حدّ كشف الأسماء الحقيقية لأصحاب هذه الحسابات، لكن مجرد تحديد بلدان منشئها يتيح قياس مدى مصداقية ما تنشره من «انكشافات». في حدّ ذاته، تُعد هذه معطيات ثمينة؛ إذ يكفي إلقاء نظرة على مصادر هذه الهجمات لتقييم أهدافها، التي تعكسها بوضوح طبيعة العلاقات بين الدول. بطبيعة الحال، فعل ماسك ذلك أولاً وقبل كل شيء لخدمة «صديقه» ترامب، الذي تصالح معه بعد مواجهة شرسة. فالرجل الجمهوري، بسياساته الصدامية، راكم خصوماً كثر داخل أمريكا وخارجها، ويقدّم له مالك X خدمة ثمينة. لكن دولاً مثل الجزائر تستفيد هي الأخرى من هذا القدر الجديد من الشفافية الرقمية. الحسابات التي كانت تنتحل هويات مزيّفة لتنسيق حملات زعزعة واستهداف لن تعود مهمتها سهلة كما كانت. النظام الجديد الذي أطلقته X يتيح تتبّع تاريخ الحسابات وجمع بيانات مثل تاريخ إنشائها، موقعها الجغرافي الأصلي، وحتى تغييرات الهوية أو اسم المستخدم. هذه الخاصية توفّر أدوات لتحديد المصدر الدقيق لتلك الحسابات ونوعية النشاط الذي تقوم به. هذه الميزة الجديدة كشفت بالفعل شبكات من «الذباب الإلكتروني» و«الروبوتات» الرقمية التي تُسخّر لتوجيه الرأي العام وصياغته، و من هذه الزاوية تحديداً تبدو الجزائر مع الأسف في قلب الاستهداف. فعمليات التقصّي، كما كان متوقعاً، أظهرت أن فيضاً من هذه الحسابات ليس سوى حسابات وهمية، تستخدم مواقع جغرافية مخفية خلف شبكات VPN لبث معلومات مضلّلة. هذه الحسابات تتحرك وهي متخفية، غالباً بهويات تبدو جزائرية أو تعود لبلدان صديقة، لتنفيذ هجمات رقمية منسّقة، وتشويه صورة الحكومة الجزائرية أو محاولة بثّ الفتنة داخل المجتمع. التحليلات رصدت تركّزاً كبيراً لهذه الحسابات في مناطق جغرافية محددة. ولن يفاجئ أحداً أن الدول الأكثر حضوراً في هذا السياق هي المغرب، إسرائيل، فرنساوالإمارات العربية المتحدة... الجميع يعرف طبيعة الخلافات – والقول هنا مخفف – بين الجزائر والرباط، وليس فقط بسبب ملف الصحراء الغربية. و الأمر نفسه ينطبق على إسرائيل، التي تعارضها الجزائر بشدة في كل الساحات الدبلوماسية حول العالم. أما بين باريسوالجزائر، فقد تصاعد التوتر بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، غير أن العفو الذي استفاد منه الكاتب بوعلام صنصال قد يفتح الباب أمام مسار أكثر إيجابية (شريطة أن يلتزم الكاتب الهدوء). أما مع الإمارات العربية المتحدة، فما زال طريق التهدئة طويلاً. في كل الأحوال، تتيح الخاصية الجديدة التي أطلقها ماسك إمكانية تقييم عدد «الأعداء» المختبئين في الظل وقدرتهم على الإيذاء، وهو ما يساعد على معايرة الاستراتيجيات الدبلوماسية في التعامل مع هذه الدول. فمصير هذه القضية يرتبط به ليس فقط الاستقرار الداخلي، بل أيضاً الصورة التي تُرسم لبلدان مثل الجزائر عبر العالم... ما قامت به X يساوي فعلاً وزنه ذهباً، بل يمكن القول إنه عنصر أساسي للحفاظ على التوازن الداخلي للدول وضمان إشعاعها على الساحة الدولية. اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات