عشية إحياء الذّكرى الستين لنكبة فلسطين يتضح بشكل أكثر جلاء البون بين الرغبة الفلسطينية في التقدّم في المسار التفاوضي السلمي والإصرار الإسرائيلي على إفراغ كل الاتفاقيات الثنائية والمبادرات العربية والمؤتمرات الدولية من مضامينها. ويتأكّد الإنحياز الأمريكي لسياسة إسرائيل العدوانية بكل وضوح من خلال تلويح رئيس السلطة الفلسطينية بالاستقالة من منصبه إثر عودته من واشنطن بعد خيبة الأمل العارمة التي مني بها خلال اجتماعه مع الرئيس بوش الذي رفض اقتراح عبّاس طلب إسرائيل وقف الإستيطان كلّيا في فلسطينالمحتلة بدعوى أن طلب ذلك سيسقط حكومة أولمرت. ويبدو أنّ قناعة محمود عبّاس بعدم جدوى العملية السلمية قد تعزّزت بشكل نهائي بعد تأكّده أنّ بوش يعتزم تقديم ضمانات جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي خلال مشاركته في «احتفالات» الذكرى الستين لقيام إسرائيل والتي تؤكّد حسب تسريبات وتقارير إعلامية عدم ممانعة الولاياتالمتحدة في أن تكثف إسرائيل عمليات الإستيطان في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية والرفض القاطع لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وتأمين مظلة حماية أمريكية مباشرة لإسرائيل. لقد بدأ الحديث فلسطينيا من الآن حول توجّه الرئيس عبّاس الذي يبدو أنه يفكّر جدّيا بعد لقائه الأخير بالرئيس بوش في تقديم استقالته وعدم استكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي تمتدّ حتى نهاية السنة القادمة بعد قناعته بأنه من غير الواقعي توقّع اختراق سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحلول نهاية السنة الجارية، بناء على وعود أمريكية. وهذه الحالة من الإحباط فلسطينيا بلغت حدّا اختزله أحد المسؤولين الفلسطينيين بعد هذا اللّقاء بالقول «لقد تبنّى الأمريكيون السياسة الإسرائيلية... وعندما تستمع إلى بوش تظن أنّك تستمع لإيهود أولمرت..» وأضاف «لقد فقدت إدارة بوش مصداقيتها كوسيط نزيه وعلينا الإنتظار إلى حين تنصيب إدارة جديدة». وهذا الإنتظار قد يطول خصوصا وأنّ الطرف الإسرائيلي ممثلا في رئيس الوزراء مورّط في أكثر من قضية عدلية وهو الآن محل تحقيقات قانونية قد تفرض عليه التنحي ولو مؤقتا من رئاسة الوزراء. إنّ خيبة الأمل الكبيرة التي مني بها الطرف الفلسطيني بعد المواقف الأمريكية المنحازة لإسرائيل قد تصبح مضاعفة على المدى المنظور في غياب الوضوح السياسي في إسرائيل والفضائح المتتالية التي رافقت أولمرت وأضعفت هامش تحرّكه. ومن البديهي أن تظل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في ظلّ هذا الفراغ السياسي صاحبة اليد الطولى في المنطقة وهذا ما يؤكّد انتهاجها لسياسة العصا الغليظة تجاه الفلسطينيين وخصوصا في قطاع غزّة الأمر الذي دفع بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى وقف عملية توزيع المواد الغذائية بداية من أمس بسبب الإفتقار إلى الوقود جرّاء الحصار الإسرائيلي المفروض على مليون ونصف المليون شخص في القطاع.