يأتي احتضان المملكة العربية السعودية للمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي سينعقد خلال الفترة من 26 إلى 28ماي الجاري بمكة المكرمة والذي دعيت عديد الشخصيات من علماء وفقهاء ودعاة ومسؤولي مراكز وجمعيات إسلامية ومراكز بحث وأساتذة جامعات للمشاركة فيه في وقت يزداد فيه التشابه الخادع بين المفاهيم انتشارا مثل مفاهيم الكوني والعالمي، مفاهيم الحوار والمفاوضات وفي وقت يزداد فيه انحسار الحوار والتواصل والعلاقة الحوارية الحقيقية بين الشعوب والحضارات وكأن الأرض لم تعد مسكن الجميع وانها هي العالم. لا شك أن مثل هذه المؤتمرات والاجتماعات لها الكثير من الايجابيات لتبحث علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالعالم، هذه العلاقة التي عادة ما تتهددها عديد المخاطر وخاصة على مستوى الممارسة اليومية وما يكتنفها من أزمات هي بالأساس أزمات الوجود السياسي والحياة الأخلاقية وما يمكن أن ينجر عن ذلك من فوضى واستغلال وعنف وحروب وصراعات تهدد في جوهرها حتمية التعايش البشري ليصبح الوجود السياسي والحياة الأخلاقية مهددين وغارقين في اللاعقلانية والتطرف لينحسر الحوار وتشتبه الأشباه في كل مكان تحت رمال العنف الجماعي وحرب الكل ضد الكل. ولتجنب مثل هذه الأزمات التي «تقسم» الأرض وتهز المجتمعات لا يكفي انتشار الخطاب العلمي ومنتجات التقنية والتجارة والتسويق شعار الحضارة اليوم ليكون المجتمع عقلانيا بل يجب أن تكون هذه العقلانية شاملة تشمل الممارسة الانسانية أيضا كي لا يصبح الوجود السياسي والحياة الأخلاقية مهددين بالسقوط في الفوضى فتصبح هوية الشعوب هي هوية اللاهوية والحوار تعصبا والاستيعاب الموضوعي لمفاهيم الجوار والضيافة مبالغة وتطرفا واتهامات تنسف مكتسبات الانسانية لتنطمر الجذور والمبادئ وكل خطاب مستنير يكفل حرية المعتقد والتفكير في كنف التسامح والتكافل والتعاون البناء. في الواقع ان الدعوة لمثل هذا الحوار وان كانت ايجابية خاصة في ظل ما يعيشه عالمنا اليوم من أزمات وسوء فهم لثقافة الآخر ومعتقداته إلى جانب أزمات العالم السياسية والاقتصادية وحتى الأيكولوجية وما تخلفه من أوبئة ومجاعات وغلاء في الغذاء لا يجب أن يظل الحوار مناسبتيا لتشخيص أسباب المرض وتحديد طرق العلاج كما يجب أن يقتصر على النخب في المنابر والأكاديميات فيما يستشري العنف بمعنييه الحركي والسكوني في «شوارع الأرض» من عنف الجماعات إلى عنف المؤسسات والشركات، من عنف مادي إلى عنف رمزي حتى باتت قيم العصر هي قيم التسليع والبضاعة والصور الافتراضية تحت غطاء الرفاه وشن الحروب باسم الديموقراطية والحرية، وتكريس المغالاة والتطرف على حساب الفهم الصحيح للآخر والعرق والحزب وكأن شعار العقلانية الذي رفعته الحضارة المعاصرة قد انقلب إلى نوع من البربرية الجديدة تحكمها قوانين السوق ولعبة التوازنات وعلاقات القوى ليصبح الانسان غريبا حتى عن ذاته. في الحقيقة ان الواقع المتأزم اليوم بين الشعوب والجماعات والاديان هو نتاج ما أفرزته العولمة وسيطرة نظام القطب الواحد، هذه الظاهرة التي افرزت خلطا في المفاهيم التي تستدعي ضرورة مراجعة وتدقيقا واعادة نظر كالخلط بين «الارهاب» و«المقاومة» بين الاسلام و«الارهاب» هذا الى جانب أن فتح الاسواق أمام حركة السلع لا يعني اطلاقا كونية انسانية حقيقية ذلك ان العالمي يعني في جزء كبير منه عولمة السلع والتقنيات والتجارة والسياحة، عولمة نمط معين من الفهم والتفسير يرفض كل مختلف ويطمس كل متعدد في حين أن الكونية الحقيقية تعني كونية الحوار والتواصل، كونية الحرية والديموقراطية والتسامح بين مختلف مكونات الشعوب والأعراق والأديان. الواقع ان الانسان اليوم مدعو أكثر الى الانفتاح على الآخر ومحاولة فهمه رغم الاختلاف بعيدا عن كل استغلال ورفض، فالآخر ما هو في النهاية إلا أنا في ثوب آخر ولون آخر ولغة ودين ولباس آخر بعيدا عن كل اقصاء وتهميش وسيطرة نموذج ثقافي أو سياسي معين معد للتسويق، لأن قدر الانسان اليوم إذا ما رام الابتعاد عن مثل هذه الأزمات فهو لا يملك الا أن يتحاور ويتواصل مع الآخر باعتبار أن الحوار ما هو في النهاية إلا ممارسة خارجة عن ذات الانسان فهو لا يمكن إلا أن ينظر إلى الآخر الذي هو أنا.