بغض النظر عن قيمة الاستثمارات التي رصدتها الدول الثماني الصناعية الكبرى حوالي عشرين مليار دولار على مدى 3سنوات في اختتام قمتهم بمدينة لاكويلا الإيطالية لزيادة انتاج الغذاء في الدول النامية وخاصة الدول الافريقية لمعالجة مشكل الجوع والفقر، ورغم أن هذا المبلغ عدّ في نظر المختصين والمهتمين بهذا الشأن لا يفي بالحاجة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحارب الجوع في العالم إلا أن قرار زعماء الدول الغنية التوجه من سياسة المساعدات والتبرعات الغذائية إلى الاستثمار الزراعي مع ضمان ديمومة تنموية والابقاء على تقديم مساعدات غذائية عاجلة، يعد دون شك خطوة في تصحيح سياسات سابقة يحيلنا إلى ذلك المثل الصيني «لا تعطيني سمكا بل علمني كيف أصطاده». إذ تغيير سياسة المساعدات والتبرعات بسياسة الاستثمار الزراعي وانتاج الغذاء وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها مثل هذا القرار، تعد تحولا في موقف الدول الكبرى وقفزة نوعية من أجل معالجة أزمة الغذاء بحيث يقع التركيز على زيادة انتاج الدول الفقيرة وضمان تنمية دائمة بدلا من مجرد مساعدات أو تبرعات مباشرة لا تفي بالحاجة ولا تحل المشكل من الأساس. لا شك أن الدول الفقيرة تحتاج إلى مثل هذه الالتفاتة لمساعدتها على الخروج من أزماتها الغذائية ومن الجفاف والفيضانات والتصحر ومن عوامل ساهمت في بطء التنمية والفقر في هذه البلدان وانتجت العديد من الامراض والاوبئة وأذكت العديد من الصراعات خاصة في ظل الازمة الاقتصادية العالمية والزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء التي عمقت مأساة هذه الشعوب وفاقمت المجاعة والفقر والبطالة ومست كل المرافق التي يحتاجها الانسان. اننا لا نحتاج في الواقع الى عولمة التجارة والخدمات والسياحة والاقتصاد والجوع بل نحتاج الى عولمة انسانية وأكثر إخاء تدفع باتجاه انتهاج علاقات قيم حقيقية بين الشعوب وعلاقات تواصل وتعاون لأن الأرض للجميع وأن نعتبر الآخر رغم اختلافه العرقي والديني... كائنا بشريا في حاجة ماسة للماء والغذاء والتعليم والصحة، فعولمة لا تمس هذه الجوانب هي عولمة مشبوهة، عولمة للعنف والجوع والصراعات والتمييز العنصري تباعد بين الناس وتخلف الحقد والكراهية وتفرز الارهاب والتطرف في مختلف الوانه. خطوة الدول الصناعية الكبرى هي بلا ريب قراءة جيدة لواقع الشعوب اليوم وللمخاطر التي تتهددها وتتربص بها ولكنها تحتاج الى تفعيل في الواقع وسرعة في التنفيذ كي لا تبقى مجرد وعود وأن تكون أكثر موضوعية وعقلانية، لأن العقلانية ليست فقط تطورا علميا وتقنيا بل يجب أن تكون العقلانية شاملة لكل جوانب الحياة وأولها الخبز اليومي كحد أدنى بيولوجي ومن حق كل انسان دون تمييز أو مواربة لنحقق كونية انسانية حقيقية كمشاركة واعتراف وتعاون بين الذوات.