السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا شيء يمنع القضاء الاستعجالي من الحكم بالمصاريف
نشر في الصباح يوم 10 - 06 - 2008

.لقد طالعت التعليق الذي جاء على لسان الأستاذ المنجي الغريبي والذي تعرض فيه إلى أن جريان العمل لدى المحاكم يبرز أن القضاء الاستعجالي لا يحكم بالمصاريف (ركن في رحاب العدالة، الصباح بتاريخ 18 مارس 2008) وقد طرح هذا الموضوع للنقاش فأردت أن أساهم بهذه السطور عسى أن أفيد أو أستفيد بما يمكن أن يعارضني به كل مهتم بالموضوع، وأسوق هذه الخواطر.
إن القول بأن القضاء الاستعجالي لا يقضي بالمصاريف والأتعاب لا يكون له معنى إلا إذا اعتبرنا فيه توفر شرط الطلب الصريح بعريضة الدعوى، وذلك بإلزام الطرف الذي يتسلط عليه الحكم بدفع المصاريف، ذلك أن المحكمة لا تقضي بما لم يطلب منها ولا بأكثر مما يطلب منها حتى لا تخرق قاعدة مبدأ الحياد، وبذلك فإننا ننطلق في البحث مع فرضية وجود الطلب الموجه للمحكمة للقضاء بالمصاريف.
إن الخوض في هذا الموضوع ولو بصفة "استعجالية" يحتم النظر فيه من حيث القانون (1) ومن حيث فقه القضاء (2).
1) موقف القانون من المصاريف.
تعرض المشرع للمصاريف مستعملا صيغة التعريف "المصاريف"وذلك بالفصل 128 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية (ويشار لها لاحقا م.م.م.ت) ونصه:"كل خصم يسلط عليه الحكم يحكم عليه بأداء المصاريف لكن للمحكمة توزيع هذه المصاريف على الفريقين أو تسلط الحكم على كل منهما في بعض الفروع" .
وتعرض لها المشرع بصيغة الإضافة "مصاريف التنفيذ" وذلك بالفصل 301 من م.م.م.ت ونصه: "تحمل مصاريف التنفيذ على المحكوم عليه عدا ما استثناه القانون".
إن الفوارق النحوية والصرفية والخصوصيات اللغوية من حيث حالتي التعريف والنكرة من جهة، وتخصيص كل منهما بفصل مستقل في موقعين مختلفين في مستوى تبويب المجلة من جهة أخرى، يؤكد استقلال كل من المصطلحين، ولا يمكن اعتبارهما أمرا واحدا وذلك تنزيها للمشرع من العبث، أضف إلى ذلك اختلاف طبيعتهما، ف"المصاريف" هي كلفة المحاضر التي يستوجبها موضوع الدعوى وإجراءات رفع الأمر أمام القضاء من تنابيه ومعاينات واستدعاءات ومعلوم تسجيل العقود وأتعاب التقاضي وأجرة المحاماة وأجرة الاختبارات وهي في مجملها معلومة المقدار قبل انطلاق المحاكمة باستثناء أجرة الاختبارات التي تعدلها المحكمة قبل النظر في محتواها والأتعاب التي تقدرها المحكمة في آخر مرحلة عند النطق بالحكم، وأما "مصاريف التنفيذ"فهي لاحقة لصدور الحكم تنشأ في مرحلة التنفيذ وتتمثل في مجموع كلفة المحاضر التي تستوجبها إجراءات التنفيذ انطلاقا من محضر الإعلام بالسند التنفيذي إن كان ذلك واجبا، ثم جميع الأعمال اللاحقة وصولا إلى نهاية مرحلة التنفيذ، وهي مسعرة موضوع قرار صادر عن وزيري العدل والمالية.
إن الفرق بين نوعي المصاريف يفسر الفرق بين الفصلين ذلك أن ألفصل 301 يمثل معولا بيد عدل التنفيذ يحقق به استخلاص مصاريف التنفيذ حسب تعريفها المذكور، وهو غير مقيد في ذلك بأي شرط، ولا لزوم في ذلك لوجوب التنصيص عليها بالحكم، ولا يتأخر العدل المنفذ في استخلاص مصاريف التنفيذ إلا اذا نص الحكم صراحة على إعفاء المحكوم عليه منها أو في صورة تحميلها على أكثر من طرف بنسب معينة مثل حالات تنصيف المصاريف أو تحديد نسبها بنسب التملك كما هو الشأن لأحكام القسمة، ولا يتوقف فيها العدل المنفذ عن طلب صريح من الطالب، بينما الفصل 128 هو معول بيد القاضي لا يستعمله إلا بشرطين الأول أن يطلب منه صراحة إلزام المحكوم عليه بالمصاريف والثاني أن يكون هو نفسه في وضعية معينة وهي أن يكون في جلسة مرافعة وحكم وذلك لأن الفصل نزل بباب "جلسة المرافعة والحكم"(الفصول من 114الى 129).
إن لفظ "حكم" جاءت مطلقة وبذلك فإن أحكام الفصل 128 تنسحب عن جميع أنواع الأحكام دون تمييز بينها بشرط أن تتوفر فيه صفتي " المرافعة والحكم"، واعتبارا أن القضاء الاستعجالي تتوفر فيه شروط "الحكم" من جلسة للمرافعة والحكم وهو ما يؤكد انسحاب أحكام الفصل المذكور على الأحكام الاستعجالية، أي لا شيء يمنع القاضي الاستعجالي من إعمال أحكام الفصل 128 من م.م.م.ت والقضاء بالمصاريف .
وبما أن الحكم الصادر يأخذ من الشكليات ما يصيّره سندا تنفيذيا فلا شيء يمنع العدل المنفذ من استخلاص "مصاريف التنفيذ" امتثالا من المحكوم عليه أو يجبره على ذلك، أما "المصاريف" فهو لا يستخلص منها إلا ما ذكر صراحة بنص الحكم أو بالرقيم التنفيذي.
والخلاصة أن القضاء ب"المصاريف" أمر غير محرم قانونا على القضاء الاستعجالي كما يعتقد البعض، وذلك عملا بأحكام الفصل 128 من م.م.م.ت وأن الفصول التي تنظم القضاء الاستعجالي من 201 إلى 212 من م.م.م.ت لم يأت في أحكامها استثناء للفصل 128، وبذلك فلا شيء يمنع القاضي من معاينة المصاريف المطلوب تحميلها على الضد والقضاء بها عندما يطلب ذلك بعريضة الدعوى، ومن جهة أخرى فإن شرط عدم المساس بالأصل الوارد بالفصل 201 من م.م.م.ت هو شرط ملتصق بموضوع الدعوى أي موضوع النزاع الذي من أجله تم القيام، وبذلك فإن شرط عدم المساس بالأصل لا يعتدى عليه بمناسبة النظر في مطلب المصاريف أولا لأن المصاريف لا تشكل العنصر الذي تم القيام من أجله أمام القضاء بمعنى أن القيام لم يكن في أصله من أجل المطالبة بالمصاريف ،وإنما القيام أمام القضاء كان لأجل سبب وحماية حق مستقل عن طلب المصاريف تناقشه المحكمة وترتب عن ذلك الأثر القانوني الواجب اتخاذه، وفي صورة ثبوت الأمر ضد المطلوب فإن المصاريف تتولد في مرحلة لاحقة، وثانيا لأن النظر في طلب المصاريف من طرف القاضي لا يعتبر من عناصر الخوض في الأصل إذ أنه لا يتعدى معاينة أمر حاصل لا يطوله النقاش ولا يستوجب فيه إلا تطبيق القانون تماما كتفحص الوثائق المقدمة والنظر في إجراءات تبليغ الاستدعاء والآجال أو عناصر موضوع الدعوى، فهي تعاين المصاريف وترتب الأثر القانوني المناسب ولا وجود لمآخذة في ذلك.
وحتى في القضايا الأصلية فإننا لا نجد لموضوع المصاريف أثرا إلا في عريضة الدعوى ولا يثار بخصوصها الجدل ولا تبرز إلا في مرحلة النطق بالحكم تصوغها المحكمة في شكل نتيجة منطقية.
2) موقف فقه القضاء من المصاريف والأتعاب
منذ البداية فإني لا أشاطر الأستاذ الغريبي فيما ذهب إليه بصيغة التعميم ويكفي أن أسوق له هذه العينة المتمثلة في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بأريانة تحت عدد 30436 بتاريخ 27 جويلية 2007 وقد استجابت المحكمة فيه لطلب المتقاضية التي حرصت في عريضة الدعوى على تمسكها بحقها في المطالبة بالمصاريف القانونية، وقد جاء بالعريضة المقدمة للمحكمة حرفيا " وحيث أن رفع القضية وما سوف ينجر عنها من مصاريف تنفيذ الحكم هي مصاريف تسبب فيها الضد ويتجه إلزامه بها على معنى أحكام الفصلين 128 و301 من م.م.م.ت وإن ذلك لا يعتبر مساسا بالأصل، لأن المحكمة لن تجري حسابا ولن تخوض في نقاش، وإنما تكتفي بمعاينة الأمر والقضاء بإلزام الضد بجميع المصاريف التنفيذية التي هي لاحقة للحكم، وإن عدم القضاء بها يخل بمبادئ العدل والإنصاف خاصة وأنه لا وجود لنص يمنع قاضي الأمور المستعجلة من القضاء بتحميل الضد بالمصاريف.
لذا ولهذه الأسباب وعملا بأحكام الفصول 201 و128 و301 من م.م.م.ت الرجاء من عدالة الجناب إلزام الضد ...(بالطلب الرئيسي) وإلزامه بالمصاريف القانونية بما في ذلك أجرة الاستدعاء وقدرها ... وبجميع مصارف التنفيذ" انتهى. (الاستدعاء عدد 873 110 بتاريخ 5/7/2007).
أمام هذا الوضوح الذي جاء بالعريضة في طلب القضاء بالمصاريف، فإن المحكمة لم تهمل النظر فيه حتى لا تعرّّض حكمها للنقض وقد جاء بحيثيات الحكم :" وحيث أن المصاريف القانونية تحمل على المحكوم عليها عملا بأحكام الفصل 128 من م.م.م.ت ومنها أجرة رقيم الاستدعاء ومقدار ذلك..." وانتهت بالنطق بالحكم مع حمل المصاريف القانونية على الضد بما في ذلك أجرة الاستدعاء .
إن الشاكية ولئن لم تطلب أتعاب المحاماة التي تعرض لها الأستاذ الغريبي فلأنها لم تكلف محاميا، إذ تولت الأمر بنفسها وعولت في تحرير العريضة على خدمات العدل المنفذ، ولقد كان بإمكانها طلب تحميل الضد أجرا تعويضا لها عن أتعاب التقاضي وهي محقة في ذلك باعتبار أن أتعاب التقاضي تختلف عن أتعاب المحاماة وهو أمر استقر عليه عمل عديد المحاكم.
لقد نفذ الحكم المذكور في جانبه العيني من حيث استرجاع المحل موضوع النزاع، وتم إجراء عقلة تنفيذية على جزء من مكاسب الضد بمقتضى حكم استعجالي ثم البيع واسترجعت المتقاضية جميع المصاريف، وبذلك تحققت بالنسبة إليها مبادئ العدل والإنصاف في أدق مظاهرها دون حاجة لرفع قضية أصلية بخصوص فرع المصاريف، وتحقق أمر آخر لا يقل أهمية وهو عدم إثقال القضاء بالقضايا الفرعية عندما تتوفر إمكانية تجنبها مصلحه للتحكم في تضخيم العمل القضائي.
هذا الحكم يؤكد أن القضاء الاستعجالي عندما يطلب منه صراحة يقضي بإلزام الضد بالمصاريف، ولا أعتقد أنه صورة يتيمة، وبذلك فإن المشكل ليس في جانب القضاء ولكنه في جانب المتقاضي أو وكيله بحكم غياب عنصر الحرص على الأقل في مستويين اثنين:
أولا من حيث التغافل عن المطالبة بالمصاريف القانونية ونحن نعاين يوميا العرائض المرفوعة للقضاء الاستعجالي تأتي خالية من طلب القضاء بالمصاريف، وبالتالي فإنه لا رجاء في هدية من المحكمة، ذلك أن المحاكم لا يمكنها أن تقضي بما لم يطلب منها وإلا فإنها تعرض قضاءها للنقض، وأذكر موقفا للقاضي محمد صالح بن حسين بمناسبة التعرض لهذه المسألة وذلك خلال ترؤسه لإحدى الجلسات العلمية التي نظمتها الهيئة الوطنية للعدول المنفذين إذ قال "لو تعاد إليّ فرصة النظر في القضاء الاستعجالي ويطلب مني القضاء بالمصاريف القانونية فإني لن أتأخر في القضاء بها لأن ذلك يعد من باب حسن تطبيق القانون"(ماي 2001 بنزل المشتل).
وثانيا بحكم عدم الإقبال عن الطعن في الأحكام التي تتغافل عن القضاء بالمصاريف أو التي تقضي برفضها، ولعل مرد ذلك أن المتقاضين ليس لهم قدرة تحمل موجبات الطعن إلى آخر مراحله وصولا لرأي الدوائر المجتمعة.
لا أحد ينكر وجود كم هائل من الأحكام الاستعجالية التي يرفض فيها القضاء الاستجابة لطلب المصاريف القانونية بمفهومها الشامل بما في ذلك أتعاب المحاماة، ولكن يتوقف الأمر في ذلك المستوى لغياب النزعة الحماسية الدافعة للطعن، وهو ما يفسر ندرة فقه القضاء في هذا الجانب.
إن المتأمل في فقه القضاء يعاين أنه لم يلتزم بالمصطلحات التي استعملها المشرع، إذ يستعمل مصطلح "المصاريف القانونية "أحيانا بمفهوم عام ليشمل نوعي المصاريف موضوع الفصلين 128 و301 من م.م.م.ت ،وأحيانا للدلالة على نوع واحد منهما.
لا شيء يمنع القضاء الاستعجالي من القضاء بالمصاريف وأجرة المحاماة ونذكر مثلا قضاء الملك التجاري وقضاء الأوامر بالدفع بالرغم من انتمائهما للقضاء الاستعجالي فإن المحكمة تنظر في المصاريف وتقرر قيمة معينة لأجرة المحاماة وتعدل أجرة الاختبار.
إن اختلاف المحاكم حول أحقية المطالبة بالمصاريف والاعتراف بها بين مؤيد ورافض ظاهرة موجودة وذلك في جميع أنواع القضاء الأصلي أو الاستعجالي أو الولائي دائما بالنسبة للصور التي يتوفر فيها شرط طلب المصاريف وأن الاختلاف لا يخدم مصلحة القضاء والمتقاضين أولا لأن الاختلاف من هذا النوع مبغوض وفيه معاداة للعدالة وكأنه لعبة حظ، وثانيا أن الحل الذي يشار به على المتقاضين من حيث طلب المصاريف موضوع قضية مستقلة إضافة إلى ما نعته الأستاذ الغريبي بأنه فتوى فإنه غير مقبول أولا ان العديد من المتقاضين بعد تنفيذ الحكم الاستعجالي لا يجدون المال والجهد للرجوع لحلبة المحاكم من أجل مصاريف بسيطة القيمة مقارنة بما ينتظرهم ،وفي تخليهم هذا الذي أكرهوا عليه أولا حرمان من حق معلوم وهو ما لا يقبل في ظل مبادئ العدل والإنصاف، وهو إثراء بدون موجب بالنسبة للذين استفادوا من عدم تطبيق أحكام الفصل 128 من م.م.م.ت فضلا عما يجدوه في ذلك من تشجيع لعدم التفكير في تنفيذ الالتزامات.
أما بخصوص مصاريف التنفيذ وهي مجموع أجور المحاضر التي يحررها العدل المنفذ بدءا من الإعلام بالحكم وصولا لمحضر التنفيذ، فإنه لا ضرورة لطلبها بعريضة الدعوى ذلك أن لا حاجة للقضاء بها من طرف المحكمة لأنها محمولة عن الطرف الذي يسلط عليه الحكم بقوة القانون عملا بأحكام الفصل 301 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية باعتباره نصا عاما تم تنزيله بالجزء الثامن من المجلة المذكورة تحت عنوان"في وسائل التنفيذ" ونصه: تحمل مصاريف التنفيذ على المحكوم عليه عدا ما استثناه القانون". والمقصود بالاستثناء لا يهم نوعية الحكم استعجالي أو أصلي وإنما يهم النصوص التي تستثني صراحة تحميل المحكوم عليه بمصاريف التنفيذ (إن وجدت) وكذلك ببعض الحالات التي يتم فيها تنصيف المصاريف مثل حالات أحكام الملك التجاري القاضية بتجديد العلاقة الكرائية أو بتحميل المصاريف على جميع الأطراف حسب أنصباهم مثلما هو الشأن بالنسبة لأحكام القسمة، ومن حسن الذوق القانوني أن تنسحب هذه الاستثناءات أيضا على مصاريف التنفيذ، والانتباه لحالات استثنائية مثل إعفاء المدين من المصاريف في مستوى الحكم الاستئنافي فان ذلك لا يعفيه من المصاريف ومصاريف التنفيذ المتعلقة بالحكم الابتدائي، وهي استثناءات منطقية، إضافة إلى بعض الصور التي هي محل جدل ولا تقبل من حيث الواقع والمنطق كأن يرفع المحكوم ضده قضية في تقسيط دفع الدين وفي نطاق إجراءات الصلح يحضر الدائن وقبل أن تقول المحكمة رأيها القانوني يتكرم ويمهل المدين ويقبل العرض فيصدر الحكم بتقسيط الدين وتنصيف المصاريف القانونية على الطرفين وفي ذلك انتقاد يظهر الجانب العقابي لصاحب الفضل وهو ما لا يشجع الدائن على قبول مبدا التقسيط أو حضور الجلسة الصلحية (الحكم المدني الصادر عن ناحية أريانة تحت عدد 11029 بتاريخ 26/5/2004).
إن فقه القضاء غير منسجم مع النصوص القانونية ليس ذلك بالنسبة للقضاء الاستعجالي فقط بل وبالنسبة للقضاء الأصلي أيضا، إذ أن عديد الصور التي تبرز من حين إلى آخر تدعو إلى مزيد النظر في مفهوم المصاريف القانونية وكيفية إسنادها،على غرار ما جاء على لسان ابتدائية قرمبالية في قضية أصلية "وحيث أن طلب معلوم الاستدعاء لدى هذه المحكمة في غير طريقه إذ يدخل تحت طائلة مصاريف الدعوى"(القضية المدنية 004 24 بتاريخ 28 جانفي 2003).
إن الأمر يتجاوز فقه القضاء ليثير التساؤل حول حشر الفصل 128 في باب ضيق من أبواب الجزء الخاص بالمحاكم الابتدائية ولم يتم تنزيله بالأحكام العامة على غرار ما فعل المشرّع المصري ولم يتم تخصيص باب خاص بالمصاريف كما فعل المشرع الفرنسي وبذلك فإن الأمر يمسّ النظر في تبويب مجلة المرافعات المدنية والتجارية وهو ما وسّع رقعة الأخطاء الشائعة التي حلت محل الصواب المفقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.