لاشك - رغم اختلافنا - اليوم وغدا وحتى بعد غد أنه لم يعد لمقولة بيسمارك الشهيرة «لا شيء ثابت في التاريخ غير الجغرافيا» أي سند واقعي ومنطقي وحتى وظيفي في واقعنا الراهن نظرا لتبدل الأحوال والاحداثيات وتغير الوقائع والأدوار، لتفرغ هذه المقولة من كل محتوى، فلا شيء ثابت في الواقع غير التغير، بل التغير هو جوهر ما يميز الاشياء خاصة في ظل تبدل موازين القوى بين الشعوب والدول حتى بات منطق القوة هو الخاصية الأساسية والمميزة لسياسات بعض الدول في فرض ارادتها ومنطقها على حساب المجموعات الدولية الضعيفة والمكافحة في سبيل التحرر وتقرير المصير كما هو الشأن بالنسبة للشعب الفلسطيني المناضل للتخلّص من نير الاحتلال الإسرائيلي. إن تغيير الوقائع الجغرافية على الأرض وما تمارسه الدولة العبرية من نشاطات استيطانية في الأراضي الفلسطينية يقدم دليلا واضحا على كيفية استغلال الاستحداثات الجديدة على الأرض بصورة تجعل من المستحيل عودة الأمور إلى طبيعتها في المستقبل، وهو ما كرسته إسرائيل من خلال نشاطاتها في القدس على مدى عقود حين أقامت العديد من الأحزمة الاستيطانية وأنجزت حفريات تحت المسجد الأقصى وقطعت أوصال الضفة الغربية بجدران اسمنتية عازلة بقصد تغيير ملامحها الجغرافية والديموغرافية والتاريخية وفصلها نهائيا عن بقية الأراضي الفلسطينية. ويبدو من الجلي أن إسرائيل لا تملك أيّة إرادة في التخلي عن هذا النهج رغم ادعاءاتها بالرغبة في التوصل الى سلام مع الفلسطينيين، حيث أنها مع إعلان استعدادها لبحث تهدئة في غزة تصر على تنفيذ أكبر مشروع استيطاني في القدسالشرقية بعد اعطائها الضوء الأخضر لبناء 1300 وحدة استيطانية اضافية للمستوطنين اليهود في تعد صارخ على حقوق الشعب الفلسطيني وتنصّل واضح من كل التعهدات بمقتضى خارطة الطريق التي تلزم الدولة العبرية بوقف الاستيطان الذي يمثل احدى القضايا الشائكة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. في الواقع إنّ مواصلة إسرائيل لمثل هذه النشاطات الاستيطانية سيزيد من التوتر بين هذا الكيان والفلسطينيين، وسينسف كل جهود الوساطة المبذولة في المنطقة وسيعرقل قطار المفاوضات بين الجانبين على اعتبار أن هذه السياسات العدوانية ستقف حجر عثرة أمام فرص التوصل الى اتفاق يقضي بإقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة وعاصمتها القدسالشرقية ليعيش الفلسطينيون في سلام وأمن مثل بقية شعوب الأرض، لأن قدر الاحتلال ومآله في النهاية هو أن يتوارى خاصة والشعب الفلسطيني يصر كل يوم وعلى مدى 60 سنة على عدالة قضيته رغم محاولات إسرائيل وبشتى الوسائل طمس هذه الحقيقة وحجب نور الشمس وانتهاك القوانين الدولية واتفاقية جينيف الرابعة للعام 1949 وغيرها من قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.