حالات من الهستيريا والعنف باتت تُهدّد الطاقم الطبّي وشبه الطبي بالمستشفيات والمؤسسات الصحيّة العمومية حيث تصاعدت وتيرتها خاصة في الفترة الاخيرة بشكل ملفت من جهة ومقلق من جهة أخرى. ولا يقف الأمر عند الاعتداء اللفظي والسبّ والشتم فحسب، وإنّما تطّور إلى العنف الجسدي ووصل في بعض الحالات إلى الاعتداء بالأسلحة البيضاء والآلات الحادة والضرب المبرح. آخر هذه الحالات الخطيرة جدّت فجر يوم أمس الأحد غرة أكتوبر 2017 حيث عمد منحرفان كانا في حالة سكر واضحة إلى الاعتداء بالعنف الشديد على عون أمن بالمستشفى الجامعي سهلول قسم الاستعجالي وذلك خلال أدائهما لزيارة لصديقهما الذي كان في قسم الإنعاش بسبب تلقيه طعنة إثر شجار، مما استوجب تدخل إطارات طبية وشبه طبية لفض الإشكال. كما قام المنحرفان بالاعتداء على طبيب مما تسبب له في كسر على مستوى اليد، والاعتداء على ممرض مما تسبب له في كسر على مستوى الساق. كما أكّد عثمان الجلولي كاتب عام الجامعة العامة للصحة ل «الصباح الأسبوعي» أنّ «ممرضة بالمستشفى الجهوي بتطاوين تعرّضت إلى الاعتداء بسكين أثناء عملها بقسم الاستعجالي من طرف أحد الزوار مما أدخلها في حالة من الرعب والخوف». لم تقتصر الاعتداءات على هذه الحالة في الفترة الأخيرة وفق تصريح كاتب عام جامعة الصحّة بل سجّل القطاع الصحّي حالات أخرى منها أيضا تعرّض ناظر مستشفى الاستعجالي بالنفيضة إلى الاعتداء بالعنف الشديد من طرف مواطن تسبب له في كسر على مستوى الأنف حيث مكّنه الطبيب الشرعي من راحة بقرابة 21 يوما على خلفية إصراره على تطبيق القانون. حالة عنف أخرى تعرض لها حارس ليلي سُجّلت بالمستشفى الجهوي بالقصرين إثر تعمد عائلة مريض أقام 12 يوما بالمستشفى الاعتداء عليه بالعنف الشديد تسبب في إحالته على قسم الإنعاش لمدةّ 15 يوما. تعود هذه الحادثة إلى شهر جويلية الفارط حيث عمد أحد المواطنين إلى الاعتداء على الحارس بقسم الأطفال بواسطة آلة حادة على مستوى الرأس، فكاد أن يودي بحياته لولا تدخّل أحد الأطباء وإيقاف النزيف الحاد. مستشفى الرابطة سُجّلت به أيضا العديد من الاعتداءات على الطاقم الطبي وشبه الطبّي حيث قام أحد المواطنين، وفق ما أكّده عثمان الجلولي ل«الصباح الأسبوعي»، ب»الاعتداء بسكين على أحد الممرضين لعدم رضائه وتقبّله لنتائج تقرير طبي خاص بقريبته». ذات الاشكالية حدثت بمستشفى القصاب بالعاصمة عندما أقدمت مجموعة من المواطنين على الاعتداء على طاقم طبي وشبه طبي لعدم توفّر الإمكانيات وضعفها مما تسبب في عدم توفير العلاج اللازم للمرضى. مواطنون آخرون اعتدوا على العاملين بالمستشفى الجهوي بالكاف على إثر منع هؤلاء من الزيارة الليلية ما انجرّ عنه عنف جسدي. هذه الحالات وأخرى تُسجّل بشكل يومي بأغلب المستشفيات والمؤسسات الصحية العمومية الموزعة على تراب الجمهورية، فقد أكّد عثمان الجلولي كاتب عام جامعة الصحة ل»الصباح الأسبوعي» بالقول «رغم أنّه لا تتوفّر لدينا إحصائيات دقيقة ومبوبة فإني أكاد أجزم أننا يوميا نُسجّل حالات اعتداء على الطاقم الطبي وشبه الطبي». وأضاف الجلولي «أصبحت الاعتداءات جزءا من المشهد اليومي بالمؤسسات الصحية ليتحوّل المريض إلى متّهم والطبيب والممرّض إلى ضحيّة، والعنف لم يقتصر على التحرش والسبّ والشتم وإنما تعدى ذلك ليصل إلى العنف المادي الذي تنتج عنه أضرار بدنية ومادية ونفسية، حتى كأننا في بعض الحالات نعيش مشاهد هوليودية من قبل عصابات». وبيّن كاتب عام الجامعة العامة للصحة «سجلنا في الكثير من الحالات إصابات كبيرة وخطيرة وصلت إلى الإقامة في قسم الإنعاش، وبالتالي نكاد نجزم بأن الاعتداءات يومية بما أنّه لا يوجد مرصد بالقطاع يخّول لنا تشخيص الوضع». وأوضح محدّثنا قائلا «في حقيقة الأمر هذا العنف هو ردّة فعل على غضب وتشكي المواطنين من تردّي الخدمات الصحيّة وعجزنا كقطاع طبي على توفير الإمكانيات اللازمة لتقديم العلاج المطلوب». وقال عثمان الجلولي في هذا السياق أيضا «عدد القضايا المرفوعة ضدّ المعتدين بلغ 630 قضية سنة 2016، وقد أدت حالات العنف أحيانا إلى إيواء بعض الزملاء بأقسام الإنعاش ما خلّف عوارض نفسية في ما بعد، لهم ولزملائهم». وأضاف الجلولي « هذه المظاهر تعدّ بطبيعة الحال مساسا بعلاقة الثقة بين مهنيي الصحة والمرضى والضرر فيها يلحق بالأساس جودة الخدمات وتعطّلها إلى جانب التداعيات النفسية عليهم والشعور بالخوف أثناء العمل وكلّ ذلك يُلخّص في عدم رضاء التونسيين على القطاع وعلى الخدمات المسداة». وعلى إثر تواتر هذه الاعتداءات أصدرت الجامعة العامة للصحة بيانا تنديديا طالبت من خلاله كافة الهياكل النقابية إلى مواصلة الضغط عبر التحركات الاحتجاجية وغيرها من الأشكال النضالية من اجل دفع وزارة الصحة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من العنف المسلط عليهم وذلك بإقرار إصلاحات حقيقية عاجلة بالمؤسسات الصحية بتوفير الإمكانيات والتجهيزات والإطار اللازم، إلى جانب تشديد العقوبات وتجريم الاعتداءات على العاملين بالقطاع. كما طالبت الجامعة بإحداث مرصد وطني لمراقبة العنف المسلط على مهنيي الصحة وبعث خلية بوزارة الصحة خاصة بالرصد والتتبع الجدي لكل حالات الاعتداء. ودعت أيضا إلى تكثيف الرقابة والحماية الأمنية أمام المؤسسات الصحية وخاصة أقسام الاستعجالي وتوفير الرعاية الصحية والنفسية لضحايا الاعتداءات بالإضافة إلى إطلاق حملات إعلامية تحسيسية عبر مختلف الوسائل والوسائط للتشهير بالاعتداءات على مهنيي الصحة والتحذير من مخاطره على جودة الخدمات.