مسّت الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد خلال السنتين الأخيرتين -دون شك- جل القطاعات، وأثرت سياسة الحكومة المبنية على التقشف وتقليص المصاريف على غرار وقف الانتدابات وعدم سد الشغور بالوظيفة العمومية.. على قطاعات تعتبر حيوية إستراتيجية مثل الصحة والتعليم.. ولم يكن قطاع التعليم العالي بمنأى عن ذلك وهو الذي بات على مشارف أزمة حقيقية خاصة في مجال التأطير والتكوين البيداغوجي، أزمة تتأكد مع تنامي ظاهرة هجرة الكفاءات الجامعية إلى الخارج في ظل تعدد أسباب ومغريات الهجرة.. وشهدت سنة 2017 تعالي الأصوات المحتجة على تقلص حجم ميزانية قطاع التعليم العالي وتقلص انتداب إطارات التدريس والتكوين خاصة من حملة الدكتوراه.. في هذا السياق، قررت الجامعة العامة للتعليم العالي عقد هيئة إدارية اوائل شهر نوفمبر المقبل لتدارس تطور الملفات المادية للجامعيين وخاصة ملفات الانتداب والترقيات والانتخابات والإصلاح..، واتخاذ الأشكال النضالية الملائمة في صورة عدم تعهد الطرف الحكومي بالتزاماته..وستعقد الهيئة الإدارية بالتزامن مع نهاية انتخابات الهياكل الجامعية وآجال الإعلان عن البرنامج الإصلاحي للقطاع، ومع المواعيد المتفق عليها بين الجامعة العامة للتعليم العالي وبين الوفد الوزاري خلال جلسة تفاوضية انعقدت اول امس الثلاثاء بمقر وزارة المالية.. يذكر أن الجلسة التفاوضية انعقدت بين وفد وزاري ضم وزراء التعليم العالي، والمالية، والشؤون الاجتماعية، ووفد نقابي ترأسه نور الدين الطبوبي امين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، متكون من والأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العمومية، وكاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي والكاتب العام المساعد للجامعة المكلف بالإعلام، والكاتب العام المساعد للجامعة المكلف بالنظام الداخلي.. الطبوبي يحذر من اندلاع أزمة وعبّر الطبوبي في بداية الجلسة عن عدم ارتياح الجانب النقابي وتخوفه من فقدان مصداقية التفاوض ومحاضر الاتفاق الممضاة بحكم عدم تطبيق التعهدات الحاصلة التي جمعت الأمين العام للاتحاد وكاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي بوزيري التعليم العالي والمالية المدونة بمحضر اتفاق بتاريخ 24 جويلية 2017، مطالبا بتفعيلها عاجلا قبل ان تندلع أزمة .. ووفقا لبلاغ صادر أمس عن الجامعة العامة للتعليم العالي فقد تم الاتفاق على نشر الأوامر المتعلقة بمنح المبرزين، والنص المنظم لتأجير تأطير مشاريع التخرج، والنص المنظم لتأجير اعضاء اللجان القطاعية لمنظومة «إمد» قبل 4 نوفمبر المقبل.. وطرح الجانب النقابي مسائل متعلقة بعدم تفعيل التعهدات المتعلقة بفتح باب الترقيات، والاستجابة لأقصى ما يمكن لطلب الهيئات البيداغوجية والبحثية للانتدابات.. وطالب في ما يتعلق بالانتخابات الهياكل الجامعية بضرورة احترام وتطبيق ما ورد في المنشور الانتخابي والا ستحصل طعون من شأنها اعادة تنظيم الانتخابات في عديد المؤسسات.. صيحة فزع وأكد عبد القادر حمدوني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم العالي في تصريح ل»الصباح» أن الوزارة لم تعلن عن فتح مناظرات الانتداب للسنة المقبلة، رغم علمها بحجم الاحتياجات الكبيرة في عديد الاختصاصات الجامعية.. مستشهدا بمراسلة صادرة عن ديوان وزير التعليم العالي موجهة لرؤساء الجامعات بتاريخ 23 اوت 2017 تطالب بتحديد عدد الأساتذة الملحقين والمتمتعين بعطل دراسية نظرا لعدم فتح خطط الانتداب في مختلف رتب سلك المدرسين الباحثين نتيجة الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد.. وكشف ان الهيئات البيداغوجية عبرت عن حاجيتها لقرابة 2600 خطة جديدة في مختلف الأصناف والاختصاصات الجامعية، (خاصة في أصنف أستاذ مساعد، استاذ محاضر، استاذ تعليم عالي) ملاحظا ان الجامعة التونسية تشكو اليوم من عجز كبير في إطار التدريس والبحث والتكوين خاصة مع اعتماد الحكومة والوزارة لسياسة عدم سد الشغورات مثل الإحالة على التقاعد (300 متقاعد هذه السنة) أو هجرة الكفاءات الجامعية إلى الخارج وتحديدا بدول الخليج العربي خاصة من صنف الأساتذة المحاضرين التي تضاعفت خلال الثلاث سنوات الأخيرة ويقدر عددهم بالآلاف مدفوعوين بمغريات مادية ومناخ تدريسي وبحثي ملائم.. (30 بالمائة من الكفاءات التونسية بالخارج). ورجح الحمدوني تواصل أزمة الجامعة التونسية في الفترة القادمة خاصة مع انسداد الآفاق أمام حملة الدكتوراه في تونس واستغناء الوزارة عن انتدابهم مع اعتمادها لطريقة الانتداب عبر التقاعد.. وهو ما اعتبره أمرا خطيرا جدا بما انه يمس من مصداقية التكوين والشهادات الجامعية.. وأطلق الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم العالي صيحة فزع وقال إن الجامعة طالبت في الجلسة التفاوضية التي انعقدت أول أمس على الاستجابة للحد الأدنى من أستاذة التعليم العالي وفتح باب الانتدابات والترقيات والالتزام بمحاضر الجلسات السابقة.. مصارحة يذكر ان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، سليم خلبوس كشف في تصريح ل»راديو جوهرة اف ام» يوم 17 اكتوبر الجاري «أنه لا توجد أي إمكانية لانتداب كل الدكاترة في الوظيفة العمومية والتدريس». وقال: «هذا واقع يجب المصارحة به.. فليس هناك لا إمكانيات ولا حاجيات». ودعا الوزير «الدكاترة» في المقابل للتحلي بروح المبادرة وإحداث مؤسسات خاصة لتوفير فرص العمل. وأعلن أنه انطلاقا من جانفي 2018 سيتم توفير تكوين مجاني لكل الدكاترة في كامل ولايات الجمهورية لإعدادهم لإحداث شركات خاصة. وأضاف أن الدولة ستوفر أيضا تمويلا بعد اتمام دورات التكوين لفائدة أهم المشاريع التي سيتم تقديمها باعتمادات تتراوح بين 10 و100 ألف دينار. وجاء الرد ساخنا أمس خلال افتتاح الدورة البرلمانية الرابعة لمجلس نواب الشعب من النائب عن حركة نداء تونس فاطمة المسدي حين قالت إنها «ستشعل حربا على وزير التعليم العالي الذي حطم آمال الدكاترة بتصريحه». تجدر الإشارة إلى أن 69 بالمائة من المتحصلين على الدكتوراه وعددهم الجملي 3292 دكتورا متخرجا، عاطلون عن العمل، وفق تنسيقية طلبة الدكتوراه التي قامت بتحركات احتجاجية في بداية السنة الجارية توجت بمسيرة وطنية في اتجاه مجلس نواب الشعب يوم 13 مارس 2017 للمطالبة بتفعيل قانون خاص بالباحثين، وبتحسين الوضعية المادية والمعنوية للباحثين بمرحلتي الدكتوراه، علاوة على تشريك الجامعات الخاصة في إدماج الدكاترة العاطلين عن العمل داعين الى الترفيع في عدد خطط الانتداب في مستوى المساعدين والأساتذة المساعدين والعمل على ادماج حاملي شهادة الدكتوراه في مختلف القطاعات وتفعيل خطط ما بعد الدكتوراه وتعويض العقود غير قابلة للتجديد بأخرى قابلة للتجديد سنويا.. وتراجعت ميزانية وزارة التعليم العالي في السنوات الأخيرة، حيث كانت 7 بالمائة من ميزانية الدولة خلال سنة 2008 لتتقلص إلى 4.9 بالمائة من ميزانية 2017، ودفعت الأوضاع الصعبة للجامعيين بأكثر من 3 آلاف منهم إلى الهجرة والعمل بالخارج. كما جعلت الصعوبات ألف دكتور آخر من مختلف الاختصاصات العلمية يعانون البطالة.