«الحّد من الدفع نقدا والتوجه نحو المعاملات الالكترونية في المعاملات التجارية والسوقية»..هذا ما أعلن عنه محافظ البنك المركزيّ الشاذلي العياري الذي دعا الأسبوع الماضي إلى تضافر جهود كل الفاعلين التقنيين والماليين لتنفيذ برامج مستعجلة تتعلق بترشيد الدفع نقدا وتحفيز أنظمة وطرق الدفع... ويهدف هذا الخيار حسب السيد المحافظ إلى دفع الإدماج المالي ودعم موارد النظام البنكي لفائدة الاقتصاد المنظم ومقاومة النشاطات الموازية والممارسات المالية غير المشروعة وذلك من خلال التقليص من التعامل نقدا وتطوير ودفع الأنظمة وطرق الدفع الإلكتروني والتمويل الافتراضي. هذا التمشي يعتبر متأخرا جدا في تونس باعتبار أن شعوب الدول المتقدمة ومنذ سنوات لم تعد تتعامل بالسيولة النقدية في كل معاملاتها الشرائية ودفوعاتها مهما كانت بسيطة بل أن بعضها وضع سقفا بسيطا لكل شراء بالعملة النقدية يمنع تجاوزه. التوجه نحو الدفع الالكتروني عالمي تفسره الارقام حيث شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في عدد مستخدمي بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم والبطاقات المدفوعة مسبقا حول العالم. وبلغ حجم المشتريات عبر أنظمة الدفع الإلكتروني 31 تريليون دولار في عام 2015.كما ان سبع عمليات شراء من بين كل ثماني عمليات تجرى عبر أنظمة السداد والدفع الإلكتروني. أما في تونس فان الوضع مختلف والتعامل بالدفع الالكتروني مازال بعيدا عن المتناول لأسباب عدة منها ما هو متعلق بالتشريعات ومنها ما هو متعلق بالإدارة ومنها ما هو متعلق بالإمكانيات ومنها كذلك ما هو متعلق بالمواطن. ومن غير المعقول مثلا أن يتحدث محافظ البنك المركزي على مثل هذا المشروع بعد أشهر قليلة من فشل دخول خدمة «بايبال» إلى تونس وهي نظام تحويل الأموال عبر الإنترنت.. فالعالم الالكتروني مر الى السرعة القصوى واذا لم نساير تطوراته سنجد أنفسنا بعيدين كل البعد عن العالم المتطور... فالتشريعات مازالت متأخرة ومضيقة للتعامل النقدي الالكتروني أما الإدارة فهي رافضة تقريبا لهذا الخيار ومازالت تعتمد على الوسائل البدائية في ظل غياب الإمكانيات ووسائل التعامل بهذه المنظومة. وبالنسبة للمواطن فما زال يفتقد لعنصر الثقة في مثل هذه التعاملات خاصة في ظل الأخطاء الكبيرة في حقه وفي حق حسابه البنكي حيث غالبا ما يتم سحب مبلغ المقتنيات أكثر من مرة وغالبا ما لا تعمل البطاقات البنكية بسبب ضعف الإمكانيات وغياب «الريزو» خاصة في بعض الفضاءات التجارية الكبرى والمحلات ومحطات الوقود، هذا دون الحديث عن عدم تجهيز 80 بالمائة من المحلات بطرف الدفع الآلي.. واليوم وإذا ما رغبنا في تطوير الدفع الالكتروني، ما علينا سوى إصلاح الإطار القانوني والتشريعي والسياسات الاقتصادية من ذلك وضع آليات لتحديد سقف للتعامل نقدا لإجبار التجار والمساحات التجارية على الانخراط في هذه المنظومة ومنعهم من قبول أي مبلغ نقدي يتجاوز السقف الأقصى، مما سيساهم بشكل كبير في تقليص التهرّب الجبائي والتهريب واسترجاع الكتلة النقدية الكبيرة المتداولة خارج الأطر القانونية...