في الوقت الذي دعا فيه الامين العام لحزب العمال والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي الى ضرورة صياغة مشهد سياسي جديد عبر الدعوة اللازمة الى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة لم يأت الرد هذه المرة من الاحزاب الحاكمة بل جاء من «الرفيق» محمد الكيلاني الذي وصف مؤخرا الدعوة بالمغامرة وغير المحسوبة العواقب. ولعل اهم الاسئلة التي نقلتها الساحة السياسية «السر» الكامن وراء الظهور المتكرر لليساري محمد الكيلاني الذي بات حضوره متواترا وبشكل كبير في وسائل الاعلام واستعماله لذات المعجم السياسي الرافض لتوجهات الجبهة وتقديمه لنفسه في اكثر من مناسبة على أنه وحزبه من البدائل الممكن لليسار؟ ولم يكن الرد على حمة بشان الانتخابات المبكرة اولى ردود افعال الكيلاني بل سبقتها تصريحات هامة مثل ما قاله في احد حواراته «إن حزب العمال اول من تحالف مع الاسلاميين»، في اشارة منه الى جبهة 18 اكتوبر. كما اتهم الكيلاني حزب العمال «انه بسس الثنية لحركة النهضة» وان الجبهة الشعبية «تريد ان تحتكر اليسار رغم انها لا تمثله». وقد حاول الامين العام للحزب الاشتراكي اليساري محمد الكيلاني اكثر من مرة التأكيد على ان الجبهة الشعبية لا تحمل البدائل السياسية والاجتماعية كما تتدعي وهي السبب في ما يحدث لأنها لم تقتنع إلى حد اليوم بضرورة تجميع الصفوف وتقريب وجهات النظر من أجل تشكيل قوة جذب مؤثرة في المشهد السياسي». ماذا وراء شيطنة الجبهة؟ اعادة محمد الكيلاني الى سطح الاحداث السياسية في هذا التوقيت يدرجه البعض في خانة محاولات الاطاحة بالجبهة الجارية على قدم وساق. فإسقاط الجبهة او التقليل من شانها يأتي في ذات الوقت الذي بدأت فيه ماكينة حزب اليسار الكبير في الدوران لتعلن عن مشروع شبيه جدا بائتلاف الجبهة الشعبية التي خسرت كل المحطات الممكنة لإخراجها من حالة العزلة السياسية التي تمر بها منذ انتخابات 2014. ودخول الكيلاني على الخط الان يجد ما يبرره سياسيا وتاريخا ليعود بنا الزمن الى الصراع حينها بين حمة الهمامي من جهة ومحمد الكيلاني من جهة اخرى. بين الكيلاني وحمة محمد الكيلاني او «الكي» هكذا تعرفه الساحة الطلابية والسياسية والنقابية شخصية مرنة في الحوار صديق حتى لخصومه السياسيين . كان الكيلاني اهم عناصر حزب العمال الشيوعي التونسي واحد منظريه، وقد استطاع الرجل تمتين علاقته بشباب الحزب حيث كان هو المسؤول عن التكوين وقد اعتبر من القيادات المهمة في حزب العمال، الا ان صراع الزعامة بينه وبين حمة الهمامي سرعان ما فكك الحزب لينقسم الرفاق بين خيارات حمة من جهة والكيلاني من جهة اخرى. وفي الواقع فقد اختلفت الروايات بخصوص خصومة الرجلين فبين من ربطها بصراع زعامات حيث ان الهمامي لم يكن يرى في نفسه الا زعيما وحيدا في حين تشكلت لدى الكيلاني قناعة ان «حمة» يمكن ان يكون الرجل الثاني. رواية اخرى ترى ان سبب الصراع بينهما هو صراع امني بالأساس وايضا بسبب الموقف الاستئصالي للكيلاني ضد الاسلاميين ومنهم الطلبة حيث تكفلت مجموعة محسوبة على الكيلاني قادها في ذلك الوقت نوفل الزيادي بتزويد الامنيين بتقارير تخص الطلبة التروتسكيين واليساريين والاسلاميين، وهو ما اثار غضب حزب العمال رغم الصراع الدموي ضدهم آنذاك. وقد تعارضت سياسة الكيلاني مع رفاقه في العديد من المحطات ولعل اهمها اضراب 18 اكتوبر حين اتخذ نفس موقف السلطة آنذاك من الاضراب ومن وثيقة 18 اكتوبر بتعلة وجود سمير ديلو ومحمد النوري كإسلاميين في هذا النشاط. ويذكر ان محمد الكيلاني تعرض للسجن لمدة 10 اشهر ليفرج عنه بمناسبة ذكرى «التحول» 7 نوفمبر 1995. الكيلاني جزء من مشروع «جديد» بعد ان فشلت اطراف في ضرب الجبهة الشعبية كان لا بد من جسم سياسي يساري مواز للجبهة او «الجبهة BIS» بما يقلل من الضوء المسلط على الائتلاف كحركة جامعة لليسار المهيكل في احزاب او شخصيات يسارية مستقلة. ويمثل محمد الكيلاني وحزبه هذا الجسم الموازي وقد عمل القيادي بالحزب الاشتراكي نوفل الزيادي على تطبيق «تعليمات» تجميع هذا الجسم والمتألف اساسا ممن كانوا يسمونهم بمجموعة «الكتلة» ودمجها داخل المشروع الجديد. ويذكر ان نوفل الزيادي قد عين في وقت سابق بسفارة تونس في باريس بتاريخ 12 اكتوبر 2015.