تناقش لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب صباح اليوم مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2018 وفي هذا الصدد ينتظر أن تعقد لقاء مع وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وكان نوابها قد شرعوا أمس خلال جلستهم المنعقدة بقصر باردو في دراسة مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2018 واستمعوا إلى رضا شلغوم وزير المالية. وعبر العديد منهم بمن فيهم نواب الائتلاف الحاكم عن عدم رضاهم على مشروع قانون المالية وقالوا انهم غير موافقين عليه، وطالبوا بتعديل الكثير من احكامه، ولم يخفوا انزعاجهم من تفاقم المديونية ودعوا الى وضع حد للاقتراض وهناك منهم من اقترح تعليق تسديد الديون انقاذا لما يمكن انقاذه من الاقتصاد. محمد فريخة النائب عن النهضة بين أن المؤشرات المتعلقة بالمالية العمومية وبعجز الميزانية وبالاقتراض خطيرة، وهو ما يتطلب اتخاذ اجراءات شجاعة ودعا النائب إلى جدولة الديون ورسكلتها وايقاف التداين مدة ثلاث سنوات واقترح جملة من المشاريع وقال انها تساعد على تجاوز الوضعية الصعبة التي يمر بها اقتصاد البلاد. وبين النائب عن نفس الكتلة سليم بسباس أن الميزانية تعبر عن خيارات دولة تعيش نوعا من الصعوبة، وذكر ان المشروع من الناحية التقنية يكشف منحى تحسينيا لكن على وزير المالية تقديم تقرير مفصل عن المديونية وعن الدعم وعن المؤسسات العمومية وعن الممتلكات المصادرة وعن الجباية واقترح تحديث الادارة الجبائية والديوانة. ويرى منجي الحرباوي النائب عن نداء تونس ان مشروع قانون المالية خال من روح وثيقة قرطاج وتنعدم فيه الرؤية وإنه مجرد قانون محاسبي وهو لا يستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية ولا يحل الازمة التي تعيشها البلاد وفيه تعويل على الزيادة في الضرائب والتداين وتغيب فيه اجراءات لمقاومة التهريب والتجارة الموازية ولإيقاف نزيف المؤسسات العمومية وطالب الحكومة بإعادة النظر فيه. وفي المقابل بين النائب عن نفس الكتلة بشير بن عمر ان المشروع فيه الكثير من الايجابيات عكس ما يقوله بعض النواب، وتحدث عن المديونية وذكر ان الدولة عليها ان تنفق وفقا لإمكانياتها المتاحة وعليها ان تقلل من الاقتراض الخارجي، واقترح مراجعة قوانين الشغل لأنها على حد تعبيره لا تساعد على الاستثمار وانتقد كثرة الاضرابات كما دعا الى مراجعة سياسة الدعم وطالب وزير المالية بالتحفظ على بعض الاجراءات التي يتم اتخاذها لتجاوز صعوبات معينة وعدم نشرها في وسائل الاعلام لأنه من غير المعقول مثلا ان يصرح احد الوزراء قائلا: إن الدولة لا تستطيع خلاص الأجور. ضبابية لاحظ نعمان العش النائب عن الديمقراطية أن الحكومة لم تستشر المعارضة بكل اطيافها عند إعداد مشروع الميزانية وذكر ان الفرضيات المعتمدة في اعداده غير صحيحة وبين ان هناك العديد من الأرقام فيها ضبابية خاصة ما تعلق بعائدات الفسفاط والبترول وغيرها من الموارد الطبيعية، وبخصوص دعم المواد الاساسية هناك موارد هامة تخصص لدعم الزيت النباتي لكن هذه المادة لا أثر لها في المتاجر، كما ان دعم العلف والشعير ينتفع به الوسطاء لا الفلاح. واستفسر العش عن قيمة الموارد المتوقعة من اجراء التقاعد الاختياري، وذكرت النائبة عن نفس الكتلة سامية عبو ان مجلس نواب الشعب لو أنه يحترم نفسه فإنه سيرد مشروع الميزانية للحكومة لأن الفرضيات التي تم اعتمادها غير واضحة ولأنها لم تحمل أي جديد فلا شيء تغير مقارنة بميزانيات السنوات الماضية ومجهود الدولة لجمع الموارد الجبائية وغير الجبائية غائب، وكل هذا يجعلها تتساءل عن الجدوى من الحكومة في حد ذاتها بما ان الإدارة هي التي تقوم بكل شيء وبما أنها قادرة بمفردها على تسيير البلاد وترى عبو ان الحكومة هي مجرد عالة على الشعب لأنها لم تضف شيئا بل اثقلت كاهله بالامتيازات والأجور التي يتمتع بها اعضاؤها وزادت في تفقيره حتى انه لم يعد قادرا ليس فقط على توفير اللحم الذي بكى من اجله الباجي قائد السبسي رئيس الدولة في حملته الانتخابية بل حتى على توفير «الشكشوكة» فثلاجة المواطن اليوم أصبحت على حد تأكيدها فارغة ليس فيها لا خضر ولا غلال. واستغرب طارق الفتيتي النائب عن الاتحاد الوطني الحر من مشروع الميزانية وقال ان المنظمات الوطنية تتبرأ منه كما ان نواب من الائتلاف الحاكم قالوا انه لا يمثلهم الامر الذي يبعث على التساؤل عن نسب هذا مشروع، واضاف أنه بالعودة الى قوانين المالية السابقة إضافة الى مشروع قانون المالية الحالي يمكن التفطن الى وجود لخبطة كبيرة لعل مردها تغير وزراء المالية وعدم استقرار الحكومات فغياب الاستقرار السياسي له اثار سلبية. وذكر الفتيتي ان قانون المالية لوحده لا يكفي بل يجب وضع حزمة من الاجراءات الكفيلة بإخراج تونس من الوضعية الصعبة التي تعيشها وذكر ان النقص المسجل في المراقبين الجبائيين لا يساعد على جمع الموارد الجبائية واعتبر التهرب الجبائي اجراما في حق الشعب واثار النائب مشكلة الديون غير المستخلصة وبين ان الحكومة تطالب بتقاسم التضحيات لكن تقاسم التضحيات يكون عندما تغيب الرشوة والمحاباة وعندما تكون هناك شفافية. وبينت ريم محجوب النائبة عن افاق تونس ونداء التونسيين بالخارج ان حزبها مشارك في الحكومة لكن لم يقع تشريكه في اعداد الميزانية وعبرت عن اسفها لان مشروع الميزانية لا يتجه نحو ايجاد حلول جدية لمشاكل المالية العمومية ولعجز الميزانية وأضافت انها كانت تتمنى تحسين محركات الاقتصاد وهي الاستهلاك والاستثمار والتصدير لكن المشروع أجهز على المحرك الوحيد الموجود في تونس وهو محرك الاستهلاك. وطالبت محجوب وزارة المالية بتقديم معطيات كافية حول المواد التي سيرفع عنها الدعم واستفسرت عن نفقات التنمية وذكرت انه كان بالإمكان التخفيض فيه مقابل دعم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وخلصت الى ان الحكومة ستضطر الى تقديم ميزانية تكميلية سنة 2018 وبينت أن الميزانية من الناحية السياسية لا يمكن الموافقة عليها ويجب ايجاد اجراءات أخرى أما الفة السكري النائبة المستقلة فترى ان تعبئة الموارد الجبائية غير ناجعة وتساءلت هل تم تقييم مدى قدرة الدولة على جمع الموارد الجبائية وذكرت ان مجلس نواب الشعب صادق الى حد الان على ستة مشاريع قوانين مالية لكن هناك اجراءات لم تفعل مثل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وتحدثت زهرة ادريس النائبة عن نداء تونس عن قطاع السياحة وانتقدت تنصيص مشروع قانون المالية على مراجعة المعلوم على الخمور والمشروبات الكحولية وبينت انه سيؤدي الى انتشار السوق الموازية وانتقدت الزيادة المقدرة بثلاثة دنانير على كل ليلة اقامة بالنزل وفي ما يتعلق بالبنوك بينت ان الدولة تقترض منها بنسب عالية وهو ما يؤدي الى تراجع السيولة. ◗ سعيدة بوهلال قلق من تفاقم المديونية وخوف من شبح «الكومسيون المالي» لم يخف جل نواب لجنة المالية والتخطيط والتنمية خلال نقاش مشروع قانون المالية لسنة 2018 انزعاجهم من تفاقم المديونية حتى ان هناك منهم من حذر من امكانية تكرر نفس السيناريو الذي عاشته تونس سنة الف وثمانمائة وتسعة وستين تحديدا تشكل الكومسيون المالي لان تونس عاشت ازمة مالية حادة وعجزت عن تسديد ديونها الخارجية. وأطلق فتحي الشامخي النائب عن الجبهة الشعبية صيحة فزع وهو يتحدث عن استفحال المديونية، فبسببها أصبحت البلاد على حد وصفه أشبه بمحرك مهترئ وفسر أنه بناء على الأرقام التي قدمتها الحكومة في مشروعها وتحديدا عند المقارنة بين ارقام 2017 وأرقام 2010 سنة الثورة يمكن الاشارة الى ان الدولة تمكنت من تعبئة مواردها بإمكانيات ذاتية وب 11 بالمائة اقتراض لكن في 2017 نلاحظ ان موارد الاقتراض ارتفعت الى 30 بالمائة. وذكر الشامخي أن خيار التداين هو خيار المفلسين، فتونس منذ سنة 2012 اقترضت 40 مليار دينار أي أربعين الف مليار من المليمات. وبين أنه ليس غبيا كي يسأل أين ذهبت كل هذه الأموال.. أموال قارون؟ لكنه يريد ان يعرف هل تم استخلاص العبر من هذا الوضع القاتم؟ ولم يخف الشامخي في المقابل ارتياحه للتغيير الذي طرأ على الخطاب السياسي في علاقة بالمديونية ففي السابق كانت الحكومات تلمع الاقتراض لكن اليوم هناك بداية تشكل وعي بوجود مشكلة بسبب المديونية. وخلص الى ان الدولة من واجبها أن تحافظ على نفسها من الفناء والانهيار وعليها أن تطلب تعليق تسديد الدين فهذا الإجراء رحمة للبلاد، كما عليها التدقيق في الديون قبل فوات الأوان. وبحيرة كبيرة سأل الشامخي وزير المالية: «ميزانية من هذه الميزانية؟ والحكومة حكومة من؟». وأجاب أن النظام اهترأ ويجب تغييره. ولتجنب ما لا يحمد عقباه يرى مروان فلفال النائب عن الحرة لحركة مشروع تونس أن الاولية اليوم بالنسبة الى الحكومة يجب ان تتمثل في المحافظة على توازنات المالية العمومية. وقال إن مشروع قانون المالية كان بالإمكان أن يكون تواصلا لقانون الاستثمار، لكنه عندما يأتي بثلاثة وخمسين اجراء فهو منفر للمستثمر الاجنبي لأن هذا الأخير يريد وضوح الرؤية ولا يحبذ التوجه الى البلدان التي فيها تضخم للإجراءات الجبائية. وتحدث النائب عن الشباب، وقال انه هو الذي سيدفع فاتورة المديونية وجدد الدعوة الى تركيز مرصد وطني مستقل لتوجيه سياسة المديونية التونسية وأضاف أن الحماية الفرنسية عندما دخلت تونس فكان ذلك بسبب الديون وحذر من امكانية تكرر الكومسيون المالي. ولاحظ فلفال أن الاجراءات الواردة في مشروع قانون المالية تتضارب مع المخطط الخماسي للتنمية، ودعا الى رقمنة الادارة بما يساعد على الحد من البيروقراطية والرشوة، كما طالب باتخاذ اجراءات جريئة لمقاومة التهرب الضريبي من قبيل تغيير العملة وتحديدا الأوراق النقدية بقيمة خمسين دينار.