بعد تواصل توسع عجز الميزان التجاري التونسي مع تركيا الذي ناهز ال1482 مليون دينار خلال النصف الأول من السنة الجارية حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، طالب عدد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي بتعديل اتفاقية التبادل الحر بين البلدين وإطلاق إجراءات جديدة لدفع الصادرات التونسية باتجاه تركيا. حول هذه الآراء وطبيعة المبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين واهم الاستثمارات التركية المزمع تركيزها في تونس، تحدث سفير تركيا في تونس عمر فاروق دوغان ل«الصباح». وفي ما يلي نص الحوار: *علاقة تونسبتركيا تاريخية، هل تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي والمبادلات التجارية بين البلدين؟ علاقة تونسبتركيا في الحقيقة لا تقتصر فقط على المبادلات التجارية والجانب الاقتصادي فقط، لان العلاقة بين البلدين تعود تاريخيا إلى سنة 1564 منذ معركة الجرف بجربة، حين تدخلت تركيا لتدافع عن الجزيرة التي غزتها آنذاك جيوش اسبانيا وايطاليا بعد أن أرسل السلطان سليمان القانوني قوات بحرية لإنقاذ جربة وكل الأراضي التابعة لها ومنذ تلك الفترة البعيدة تركت تركيا بصمتها في تونس، وسرعان ما تعمقت العلاقة بين البلدين من جديد في سنة 1881 من خلال إحياء العلاقات الثنائية لتتدعم أكثر بعد الاستقلال ومع صعود أول حكومة في تاريخ تونس مع الرئيس الحبيب بورقيبة الذي استلهم مثال تركيا واتخذها نموذجا في تونس واليوم نلاحظ تشابها كبيرا بين شعبي البلدين.. وفي ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بدأت فعليا بين تونسوتركيا وأخذت أكثر عمقا مع بداية 2001 تحديدا مع حكومة اردوغان وفي 2004 وفي إطار علاقة تركياوتونس على حد السواء بدول الاتحاد الأوروبي تاريخ الإمضاء على اتفاقية التبادل الحر والتي بمقتضاها تم رفع المعاليم الديوانية من الجهتين من تركيا ومن تونس ودخل العمل حيز التنفيذ في 2005، طلبت تونس منحها مهلة 10 سنوات لمرور البضائع دون إخضاعها لمعاليم ديوانية وبعد انقضاء هذه المدة سنة 2014 تم الرجوع إلى اتفاقية التبادل الحر لسنة 2004 وأصبحت بالتالي العلاقات الاقتصادية بين تونسوتركيا خاضعة لهذه الاتفاقية. *يبدو أن هذه الاتفاقية من أهم أسباب تفاقم عجز الميزان التجاري لتونس مع تركيا؟ إن من أهم الأسباب الرئيسية وراء توسع عجز الميزان التجاري التونسي مع تركيا هو ارتفاع وارداتها من تركيا مقابل انخفاض وارداتها من بلدان الغرب وتراجع التوجه تدريجيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وهذه الوضعية تقودنا بصفة آلية إلى ارتفاع حصة الواردات التونسية مع تركيا بصفة طبيعية في المقابل لم تشهد الصادرات التونسية باتجاه البلدان الأوروبية أي تطور يذكر في حين عرفت تراجعا باتجاه تركيا جراء تراجع إنتاج الفسفاط والمواد المنجمية في ما بين سنتي 2014 و2015. وبالتالي فان نسق التوريد لتونس لم يتغير من حيث الكمية بل التغيرات التي عرفتها المبادلات التجارية التونسية كانت على المستوى الجغرافي. *ما رأيكم في الأصوات التي تنادي بضرورة إلغاء اتفاقية التبادل الحر بين تونسوتركيا؟ لن يتغير شيء على ارض الواقع بالنسبة إلى تونس في صورة إلغاء اتفاقية التبادل الحر بين البلدين، لان تونس هي التي اختارت الاستيراد من تركيا لعدة اعتبارات أهمها أن التوجه للتوريد من بلدان الشرق يتطلب منها تكاليف باهظة، وبالتالي فان التوريد من تركيا سيكون غير مكلف من ناحية الأسعار ومن ناحية الجودة كذلك في ما يتعلق بالمواد الأولية المستعملة في قطاع النسيج وما لهذا الجانب من أهمية في سهولة الولوج إلى جميع الأسواق الأوروبية بصفر من المعاليم الديوانية باعتبار أن تركيا عضو في الاتحاد القمرقي الأوروبي. كما لا ننسى اليوم أن ما بين 65 و70 بالمائة من الواردات التونسية من تركيا هي بالأساس مواد غير مصنعة، لذلك فان علاقاتنا تعتبر عميقة ولا نستطيع الحديث عن تغيير مبادلاتنا التجارية. *لكن هذا الوضع أضر بالاقتصاد التونسي وهو ما يفرض اتخاذ إجراءات من الجانب التركي للمساهمة في التقليص من عجز الميزان التجاري بين البلدين؟ بالفعل هناك العديد من الإجراءات التي تم العمل بها من أجل دعم الصادرات التونسية باتجاه تركيا خاصة في المواد الفلاحية والمنجمية على غرار زيت الزيتون والفسفاط، والاهم أننا نعمل حاليا على تشجيع المؤسسات التركية والمستثمرين الأتراك للعودة إلى السوق التونسية والاستثمار في تونس على غرار مشروع يعنى بخلق وحدات لتحويل الفسفاط إلى أسمدة باعتبارها منتجات ذات قيمة مضافة تستفيد منها الدولة، وننتظر فقط الرد الرسمي بخصوص هذا الملف من وزارة الطاقة والمناجم بعد مرور شهر على إيداع طلبنا لتفعيل هذا المشروع على ارض الواقع. وارى أن الحل الأمثل لدعم تونس اقتصاديا هو دفع الاستثمار وهذا ما نعمل عليه في الوقت الراهن خاصة أن تونس تتمتع بمزايا تفاضلية للاستثمار، فهي البلد الإفريقي الوحيد الذي ليس له خلافات مع أي بلد آخر، وتعتبر تونس من حيث موقعها الجيوسياسي بوابتنا لإفريقيا، وتخاطب نحو 60 مليون مستهلك في كل من ليبيا والجزائر، وهي أهم وأكبر شركاء تركيا الاستراتيجيين، من حيث موقعها وعلاقاتها مع جميع الدول الإفريقية التي تعتمد على الاستيراد في 85 % من استهلاك سكانها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة. *نفهم من حديثك أن تركيا لها استثمارات جديدة في تونس قريبا؟ بالفعل هناك نوايا من قبل المستثمرين الأتراك للاستثمار في تونس انطلاقا من العوامل المتاحة في هذا البلد، فهناك مشروع في طور الدرس بين تركياواليابانوتونس في ما يخص تصدير زيت الزيتون إلى اليابان مرورا بتركيا، الإنتاج تونسي والتعليب في تركيا بحكم حساسية ودقة طلبات اليابان المفصلة في استيراد هذه المادة والتي لا يمكن لتونس أن توفرها بالنظر إلى إمكانياتها المحدودة وفي الحقيقة انطلقنا فيه منذ سنة وهو في طور الدراسة.. كما اختار البريد التركي كمؤسسة عمومية تونس كقاعدة للشحن الجوي لكامل القارة الإفريقية انطلاقا من مطار النفيضة باعتبار أن تركيا تستقبل ما يناهز ال300 ألف طن من الشحنات من الصين فقط لتوزعها إلى كامل أوروبا وباعتبار الموقع الاستراتيجي لتونس ستكون هي المركز الذي ستمر به كل هذه الشحنات، وتم توقيع هذا الاتفاق مع وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي. كذلك أضاف البريد التركي تونس في بوابة التجارة الالكترونية لتعرض المنتجات التونسية في السوق الالكترونية وتخضع بذلك لعملية البيع والشراء عبر الانترنت، وسيتم طرح هذا المشروع ودفعه في الندوة العالمية للتجارة الالكترونية في 21 نوفمبر في انطاليا... كما سنضع رسميا وفي منتصف الشهر الجاري حجر الأساس لمشروع محطة رادس لتوليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، وهو مشروع مشترك وفيه المساهمة الأكبر لتركياواليابان، في حين كان من المتوقع أن يتم الانطلاق كذلك في مشروع مشابه في قطاع الطاقة وهو محطة توليد الكهرباء بالمرناقية إلا أن هذا المشروع تم إلغاؤه في مناسبتين لعدة أسباب خارجة عن نطاق الدولة التونسية. ويعد مطار النفيضةبتونس الاستثمار التركي الأكبر في القارة الإفريقية والاهم في تاريخ تونس، فقد تم تركيز هذا المشروع الذي يضاهي اكبر المطارات في الغرب، ويعتبر الاستثمار الأضخم والذي ناهزت قيمته ال650 مليون أورو ووفر في حدود ال1500 موطن شغل تونسي. *ماذا عن الاستثمارات التركية التي تم الإعلان عنها في الندوة الدولية للاستثمار «تونس 2020»؟ بالنسبة إلى الاستثمارات والتمويلات التركية الممنوحة إلى تونس خلال الندوة الدولية للاستثمار «تونس 2020» فقد تم في الأغلب تفعيلها واستفادت منها تونس، من بينها ال100 مليون دولار التي منحها البنك التركي «Eximbank» لتمويل المشروع المعروض، فقط ننتظر قائمة للمترشحين للاستفادة منه، كما لا ننسى أن تركيا دعمت وساندت تونس ماديا في العديد من المجلات منذ سنة 2011 حيث بلغت قيمة هذه التمويلات مباشرة بعد الثورة ما يناهز ال500 مليون دولار؛ منها 200 مليون دولار وجهت لدعم الأمن واستقرار البلاد و100 مليون دولار منحتها تركيالتونس في شكل هبات، و50 مليون دولار في شكل تمويلات نقدية منحت للحكومة. إلى جانب ذلك خصصت 50 مليون دولار لانجاز مشاريع موجهة للإنتاج، فضلا عن المعدات والتجهيزات التي أسندت إلى البلديات وعدد من الوزارات التونسية والمخابر الصيدلية والطبية وفي حدود ال55 مليون دولار تمويلات فقط في السنتين الأخيرتين. *لاحظنا في الموسم السياحي الأخير توافد سياح روس إلى تونس عبر الخطوط الجوية التركية، كيف تفسر لنا هذه العملية؟ هذه العملية في الواقع ربحية للجانب التونسي من جهة وللجانب التركي من جهة ثانية، وباعتبار أن السياحة التونسية تعد من أهم المحركات الاقتصادية في تونس، فقد عملت تركيا على دعم هذا المحرك، حيث ساهم ثلاثة متعاملين أتراك في مجال السياحة في استقطاب ما يناهز ال700 ألف سائح روسي إلى تونس كل سنة، باعتبار أن تركيا تسجل أرقاما هامة في استقطاب السياح الروس، إذ تستقطب في السنة على الأقل مليوني سائح روسي باتجاه انطاليا فقط. ويكفل المتعاملون الثلاثة في مجال السياحة بالعملية الترويجية للوجهة التونسية من خلال تنقلهم إلى تونس للتعريف بمزاياها السياحية بتمرير الومضات الاشهارية عبر الانترنت، كما نظمت الخطوط الجوية التركية منذ شهر نوفمبر المنقضي عددا من الرحلات باتجاه تونس شملت ما يناهز ال4 ملايين و500 سائح صيني من الطبقة الراقية، وكانت هذه العملية ربحية بالنسبة إلى الجانبين التونسي والتركي. *قطاع النسيج يعد من أبرز القطاعات التي مثلت إشكالية في العلاقات التونسية التركية، خاصة أن توريد الملابس الجاهزة التركية أغرق السوق التونسية، فهل من حلول لهذا الإشكال؟ تونس مستفيدة كثيرا من توريدها للمواد الأولية من تركيا التي لها موقعها الهام كعضو في الاتحاد القمرقي الأوروبي منذ سنة 1996 مما يسمح لكل البضائع الصناعية والمنتجات التركية بالتنقل على كامل المنطقة الأوروبية بكل حرية وبصفر معاليم ديوانية، إلى جانب ذلك تونس اختارت التوريد من تركيا لعدة عوامل أخرى أهمها القرب الجغرافي والأسعار المناسبة.. لهذه الأسباب وغيرها يفضل المصنعون التونسيون في قطاع النسيج توريد المواد الأولية من خيوط وقطن ومستلزمات أخرى من تركيا... وباعتبار أهمية قطاع النسيج في تونس خاصة من حيث توفيره لمواطن الشغل، فإن تركيا تعمل حاليا على دعم هذا القطاع من خلال تشجيع الباعثين الأتراك على عقد شراكات مع الباعثين التونسيين للرفع من عدد العاملين بالقطاع من 160 ألف عامل إلى 180 ألفا بمجرد إعلان الشراكة بين الجانبين وبتدخل البنك التركي «Eximbank» لتوفير تمويلات لهذا المشروع بما قيمته 20 مليون دولار.. *هل ما زالت هناك حظوظ لانضمام تركيا كعضو جديد إلى الاتحاد الأوروبي؟ في صورة رفض الاتحاد قبول عضويتنا، فهذا لن يكون مشكلا بالنسبة إلينا، لأننا اليوم لسنا في حاجة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما لنا العديد من الالتزامات في الوقت الراهن وهذا لا يمنع أننا على أتم الاستعداد للانخراط معهم عندما يُطلب منا...