نذكر ونثبت ونحن اليوم امام مائوية بلفور الاجرامي، ان الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى نحو قرن وثمانين عاما كاملة لم تتوقف عن دعم وتعزيز المشروع الصهيوني ووجود الدولة الصهيونية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة..!. قد يتساءل البعض: ألم يئن الأوان كي تعترف بريطانيا بمسؤوليتها عن النكبة ومنح فلسطين العربية للمشروع الصهيوني..؟، وقد يقول البعض الآخر: لماذا تتمادى بريطانيا في دعمها السافر لكيان الارهاب والاغتصاب والابرتهايد..؟ تصوروا.. بعد مائة عام على الوعد والنكبة والجريمة نتابع ايغالا بريطانيا في الجريمة المفتوحة التي اقترفت بحق الشعب العربي الفلسطيني، وفي مائوية بلفور، يطل علينا رئيس وزراء بريطانيا السابق دافيد كاميرون ليعلن امام مؤتمر لقادة اليهود في بريطانيا أنه سيتعاون معهم في إحياء ذكرى وعد بلفور المائوية. وتطل تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا الحالية لتفتخر بدورها- بدور بلادها في تأسيس «دولة إسرائيل» وتؤكد: «سنحتفل بمائوية وعد بلفور بكل فخر وهناك المزيد من العمل ينبغي القيام به»، وجاء ذلك في معرض ردها على أسئلة النواب في مجلس العموم البريطاني، الأربعاء-امس-، حيث قالت "نفتخر لدورنا في تأسيس دولة إسرائيل». فنحن اذن عمليا امام مسيرة واستراتيجية راسخة من التواطؤ والتآمر والتشارك البريطاني مع الصهيونية، وبانحياز واضح وصريح ووقح لصالح «اسرائيل» وضد الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وعليه نتساءل: ألا تستحق هذه السياسات البريطانية الاجرامية مع سبق التخطيط والتآمر وقفة عربية -مثلا- جادة تطالب بمحاسبة الحكومات البريطانية...؟، بل ألا تستحق هذه المواقف البريطانية الاجرامية انتفاضات عربية في ذكرة مائوية بلفور في كل العواصم العربية..؟! وفي مائوية الوعد نقول: رغم زخم الاحداث والتطورات المتلاحقة في المشهد الفلسطيني العربي الشرق اوسطي، ورغم الاعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني، ورغم النكبات المتصلة التي تنصب على رؤوس الفلسطينيين منذ عام 48، ورغم كل التضحيات اليومية للشعب الفلسطيني التي من شانها ربما ان تشغل بال الجميع عما حصل في الماضي، الا اننا لا يمكننا ان نغفل اساس الهولوكوست الفلسطيني المفتوح، ولا يمكننا ان نغفل ذلك الدور البلفوري البريطاني في صناعة الدولة الصهيونية والهولوكوست الفلسطيني..! وحيث تحل في هذه الايام الذكرى المائوية لوعد بلفور، لعلنا نستحضر في هذا السياق اهم المعطيات المتعلقة بذلك الدور البريطاني الراسخ لصالح المشروع الصهيوني. فنحن اليوم عمليا امام: 110 اعوام على كامبل بنرمان. 101 عام على سايكس-بيكو. 100 عام على وعد بلفور...! 80 عاما على توصيات بيل...! 70 عاما على قرار التقسيم ومنح اليهود الوطن القومي...! 63 عاما على العدوان الثلاثي...! 50 عاما على عدوان حزيران/ جوان67 وهزيمة العرب واحتلال ثلاثة اضعاف فلسطينالمحتلة عام 48...! 27عاما على الحرب الامريكية الثلاثينية على العراق...! ونحو اربعة عشر عاما على العدوان الامريكي –البريطاني على العراق 2003..! لم تتوقف الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى اكثر من قرن ونحو ثمانين عاما عن دعم وتعزيز المشروع الصهيوني والدولة الصهيونية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة..! بل انه الدعم البريطاني المطلق ل «إسرائيل»..! وتبدأ عمليا وبمنتهى الاجرام، حكاية الغرام والعشق من قبل بريطانيا بالمشروع الصهيوني و»الوطن القومي لليهود» وب»إسرائيل» على نحو حميمي وعلى وجه الحصر في 1917، حينما اصدر وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء «وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين». المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك «سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمه سائغة للحركة الصهيونية». والسبب في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفور الذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي «بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم»، الذي قيل فيه:»انه قصة 117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط». و»كان الوعد حاضرا بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو 1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وكان حاضرا ايضا في عصبة الأمم التي صادقت في جويلية 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا». واليوم وبعد مائة عام على الوعد، وبعد تسعة وستين عاما تقريبا على النكبة واغتصاب فلسطين، تأتينا رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي لتؤكد فخرها وإصرارها بالوعد وبإقامة ذلك ايضا أطل علينا وزير الخارجية البريطاني لشؤون الشرق الأوسط في حكومة طوني بلير السابقة «كيم هاويلز» ليتخذ موقفا بريطانيا يواصل فيه خطى جريمة وعد بلفور للصهاينة حينما اعلن قائلا: « إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم» غير منطقي «وانه من الصعب جداً أن نحل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 60 عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم». لقد كان شاعر فلسطين إبراهيم طوقان (1905-1941) خاطب المستعمرين الانجليز وما تسببوا به من ويلات وكوارث المت بفلسطين والعرب قائلا: منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا ** فقراً وجوعاً وإتعاساً وإفساداً بفضلكم قد طغى طوفانُ هجرتهم ** وكان وعداً تلقيناه إيعاداً ولكن شاعر فلسطين عبد الرحيم محمود يعاتب الفلسطينيين والعرب معا قائلا: بلفور ما بلفور ماذا وعده ** لو لم يكن أفعالنا الإبرام إنا بأيدينا جرحنا قلبنا ** وبنا إلينا جاءت الآلام ونقول بدورنا: لم يكن «وعد بلفور» ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟ ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى «وطن قومي لليهود» لو ارتقى العرب إلى مستوى «الوعد والحدث»؟!!