في جلسته العامة الانتخابية المنعقدة أمس بقصر باردو انتخب مجلس نواب الشعب أخيرا وبعد اخفاقات متكررة وعناء طويل محمد التليلي المنصري رئيسا جديدا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقد أحرز على115 صوتا.. الجلسة سادها الكثير من التشنج والاحتقان وتم التشكيك خلالها في سلامة العلمية الانتخابية والطعن فيها بعد التفطن الى أن النائبة عن الوطنية ليلى أولاد علي صوتت مرتين. وأوضحت أولاد علي أنها كانت في حصة تكوين خارج مقر المجلس عندما وردت عليها إرسالية مفادها ان آخر موعد لعملية التصويت في الدورة الثانية الرابعة مساء، فعادت الى المجلس وصوتت معتقدة أن الدورة الاولى انتهت وتم تنظيم دورة انتخابية ثانية ولم ينبهها أي احد الى ان الدورة الاولى مازالت جارية. وأمام حالة الفوضى والصخب الذي تسببت فيه هذه الحادثة وجد عبد الفتاح مورو النائب الاول لرئيس مجلس نواب الشعب صعوبة كبيرة في تسيير الجلسة العامة وطلب من رؤساء الكتل الالتحاق بمكتب رئيس المجلس للنظر في الوضعية، وتكونت في الغرض لجنة تدقيق شاركت فيها كل الكتل باستثناء الجبهة الشعبية التي قالت ان هناك شبهة وطالبت بإعادة عملية الانتخاب برمتها.. اما لجنة التدقيق فأعادت مشاهدة تسجيل للجلسة الانتخابية وتبينت ان الخطأ اقتصر على اولاد علي ولم يشمل غيرها. وأثناء البلبلة قال الحبيب خضر النائب عن النهضة الذي ان هناك ارادة لتعطيل انتخاب رئيس الهيئة لان هناك من لا يريد تنظيم الانتخابات وبين عماد اولاد جبريل النائب عن النداء ان ما حدث مسرحية سخيفة وقالت ريم محجوب النائبة عن آفاق تونس ونداء التونسيين بالخارج إنه لا نية لهم في تعطيل الانتخابات وبينت سامية عبو النائبة عن الديمقراطية أنها تشتم رائحة كريهة لمعركة سياسية بدأت تفوح وطالب الجيلاني الهمامي النائب عن الجبهة بإعادة العملية الانتخابية لأن فيها شبهة. وكانت أحزاب حركة النهضة وحركة نداء تونس والاتحاد الوطني الحر توافقت خلال اجتماع مشترك أول أمس على رئيس الهيئة وهو ما فتح الطريق أمام محمد التليلي المنصري نحو كرسي الرئاسة الشاغر منذ استقالة الأستاذ شفيق صرصار.. لكن نجاح المنصري في الانتخابات بفضل توافق «الترويكا» الجديدة كان مخالفا لوعد سابق قطعه رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري ورئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال خلال الجلسة العامة الانتخابية المخصصة لسد الشغور في الهيئة التي انتظمت في الدورة البرلمانية الاستثنائية.. اذا قالا وقتها بمنتهى الوضوح إنه مثلما تم التوافق على سد الشغور في الهيئة فلن يقع انتخاب رئيس للهيئة أيضا الا بموافقة الجميع.. استحال الوفاء بالعهد لأن التوافق المنشود بين جميع الكتل كان أشبه بالسراب، فقد نظم المجلس دورة انتخابية أولى ولم يتمكن جميع المتسابقين المشاركين فيها من إحراز العدد المطلوب من الاصوات وهو مائة وتسعة. واضطر المجلس الى تنظيم دورة انتخابية ثانية لانتخاب أحد المترشحين الحائزين على اكبر عدد من الاصوات وهما أنيس الجربوعي ونبيل بفون لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال مرة أخرى واضطر مكتب المجلس بعد استشارة رؤساء الكتل البرلمانية إلى فتح باب الترشحات من جديد لرئاسة الهيئة ثم الى عقد جلسة عامة انتخابية باءت في دورتها الأولى بالفشل ولم يتمكن اي متسابق من الفوز بمنصب رئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وحتى الدورة الانتخابية الثانية كانت نتيجتها سلبية اذ لم يتمكن المترشحان الحائزان على أعلى عدد من الأصوات وهما محمد التليلي المنصري ونجلاء ابراهم من الفوز رغم التوافقات التي تمت بين النداء والنهضة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس ونداء التونسيين بالخارج لتمرير المنصري، اذ هناك من نواب هذه الكتل من تغيبوا عن الانتخابات أو لم يمتثلوا عند تعمير ورقات الاقتراع السري الى ما اسفرت عنه التوافقات. وبعد جولة جديدة من التوافقات وتأخير تجاوز ثلاث ساعات انطلقت الجلسة العامة ظهر أمس لانتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وفي تصريح صحفي ادلى به وليد جلاد افاد أن هناك عددا من اعضاء الهيئة هددوا بالاستقالة في صورة انتخاب المنصري. وبلغ عدد المترشحين للدورة الانتخابية وفق ما أشار اليه رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر خمسة لأن احد المترشحين وهو نبيل العزيزي انسحب من السباق. وكانت نتيجة الانتخابات كما اعلن عنها رئيس المجلس وبعد طرح صوت ليلى اولاد علي كما يلي: - فاروق بوعسكر: صفر - نجلاء براهم: 49 - أنيس الجربوعي: خمسة - أنور بن حسن: صفر - محمد التليلي المنصري: 115 وسيخلف المنصري الأستاذ شفيق صرصار الذي استقال من رئاسة الهيئة ماي الماضي مخلفا صدمة كبيرة في الأوساط السياسية والمدنية بسبب استقالته المباغتة بمعية مراد المولي نائب الرئيس ولمياء الزرقوني عضو مجلس الهيئة.. ومازالت كلمات صرصار تدوي في الآذان عند اعلانه عن الاستقالة وتفسيره لأسبابها قائلا : لقد اضطررنا لقرار الاستقالة.. وهو قرار مسؤول.. بعد ان تأكدنا بأن الخلاف داخل مجلس الهيئة لم يعد مجرد خلاف في طرق العمل بل أصبح يمس المبادئ التي تتأسس عليها الديمقراطية».. ومنذ ذلك التصريح الصحفي دخلت هيئة الانتخابات في نفق مظلم وقذفت بالحجارة من كل حدب وصوب وتم التشكيك في استقلاليتها وفي قدرتها على تنظيم الانتخابات.