خلافا لما حدث السنة الماضية، دار نقاش مشروع ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة أمس في لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب في هدوء، لكن الاحتجاجات على الهيئة ورئيستها سهام بن سدرين هذه المرة لم تأت من داخل البرلمان بل من خارجه.. حيث تجمهر أمام البوابة الرئيسية لقصر باردو عدد من المتمتعين بالعفو المطالبين بجبر الضرر وراحوا يرددون بأعلى حناجرهم :» عار عار عار .. عار يا سهام عار»... «ديقاج بن سدرين ديقاج». وحلت بن سدرين بلجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية أمس بمشروع ميزانية لهيئة الحقيقة والكرامة قدرها 8 مليارات و 322 ألف دينار وقالت منذ الوهلة الاولى إنه توافقي مع وزارة المالية، وبالتالي لم تتكرر نفس الزوبعة التي حدثت السنة الماضية عندما فوجئ النواب يوم نقاش مشروع الميزانية بأن رئيسة الهيئة تطالبهم بمنتهى الحزم بنقاش الميزانية التي أعدتها الهيئة وقدرها 27 مليار لا الميزانية التي قدمتها الحكومة وقدرها 10 مليارات، وتمسكت وقتها بمطلبها بشدة وتشبثت بأن هيئة الحقيقة والكرامة هي سلطة عمومية مستقلة وليس هناك سلطة إشراف عليها وهو ما استفز العديد من النواب.. لكن هذه المرة وبما ان الميزانية توافقية فقد عبر النواب عن ارتياحهم وعلق كريم الهلالي النائب عن افاق تونس ونداء التونسيين بالخارج كريم الهلالي بآية قرآنية من سورة الأحزاب وهي : « وكفى الله المؤمنين القتال». ولئن كان نواب النداء والحرة لحركة مشروع تونس وبقية نواب العائلة الندائية هم الذين تعودوا على توجيه سهام النقد لبن سدرين، وهم الذين يتهمون هيئتها بالفساد المالي، فقد فوجئ الحاضرون جلسة أمس بنيران صديقة تهب على رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة من النائبة عن النهضة يمينة الزغلامي.. إذ سالتها قبل ان تغادر القاعة غاضبة وهي توصد الباب خلفها بقوة، عن الصفقات التي قامت بها الهيئة والمتعلقة بالجلسات العلانية وهل هي خاضعة لمبدإ المنافسة والشفافية خاصة وأن هناك احدى الجلسات تكلفت بنصف مليار وطلبت الزغلامي من بن سدرين اطلاع النواب عن التقرير المالي للهيئة ودعتها الى نشر تقارير الهيئة لأن القانون قال بوضوح ان تقارير الهيئة توضع على ذمة العموم وتنشر قبل انتهاء مهامها. وأضافت الزغلامي ان الدولة صرفت على الهيئة الى حد الان من ميزانية الدولة ستين مليار وتساءلت أين ذهبت هذه الأموال؟ والحال ان هناك أناسا من المتمتعين بالعفو مازالوا معتصمين إلى اليوم أمام البرلمان ولم تقع تسوية وضعياتهم، وترحمت الزغلامي على المناضلة نورة البورصالي التي استقالت من الهيئة وكتبت ورقة فسرت فيها سبب استقالتها وقالت ليست نورة البورصالي الوحيدة التي استقالت فقد استقال اخرون واستفسرت مستنكرة لماذا هذه الاستقالات. وذكر سمير ديلو النائب عن نفس الكتلة أن الحديث عن قضية العدالة الانتقالية صعب لأن موضوع العدالة الانتقالية هو موضوع سياسي بامتياز يتلخص في جملة واحدة وهي كيفية طي صفحة الماضي بأقل الأضرار ودون تقشف وافلات من العقاب مع توفير مادة للمؤرخين لكي يكتبوا تاريخ البلاد بشكل سليم وأبدى انزعاجه من بروز مفهومين مؤخرا للعدالة الانتقالية وهما جبر الضرر والعفو العام لجماعة النهضة، والمصالحة لجماعة النداء وأشباهه، وبين انه كان ضد العزل السياسي واعترض ايضا على قانون المصالحة لان المصالحة والعدالة الانتقالية تقام على قياس المجتمع التونسي لا على قياس سهام بن سدرين ولا على قياس راشد الغنوشي ولا على قياس الباجي قائد السبسي.. فالعدالة الانتقالية فيها جبر ضرر وطالب ديلو رئيسة الهيئة بتوضيح مآل الموارد المخصصة للتدخلات الاجتماعية وعبر عن مساندته للهيئة مساندة نقدية وقال انه متجند للتصدي لكل يحاول تعطيل الهيئة. غياب الشفافية أما وفاء مخلوف النائبة عن نداء تونس فقالت بوضوح إنها قررت منذ السنوات الماضية الا تصادق على ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة لان ما حدث في الهيئة يؤكد انحرافها عن المسار المنصوص عليه في قانون العدالة الانتقالية، وقالت انها لا تعرف اين صرفت اموال الهيئة التي تم رصدها في الميزانيات السابقة وهل للهيئة موارد أخرى غير موارد الدولة وكم يبلغ حجمهما وبينت سماح دمق النائبة عن نفس الكتلة أن الهيئة خلقت من اجل كشف الحقيقة والكرامة وهو ما يدعوها الى طرح سؤال اين هي الحقيقة واين الكرامة.. وأضافت متصفحة ارقام الميزانية إنه تم تخصيص مائة مليون مليم للوازم المكتبية فهذا الرقم يبعث على الحيرة ويثير الشكوك ثم لماذا تم رصد خمسة الاف دينار نفقات ماء فهل هذا يعني ان أعوان الهيئة يستحمون هناك؟ وبينت ان الهيئة لم تحقق اهدافها وجلسات الاستماع لم تؤت اكلها ودعت الى تفسير سبب انتداب أكثر من خمسمائة عون. وقالت رابحة بن حسين النائبة عن الحرة لحركة مشروع تونس إن رئيسة الهيئة تعتبر ان المصالحة يجب أن تتم بين الدولة والشعب وهي لا توافقها، لأن الانتهاكات ارتكبها اشخاص والمصالحة تكون بين افراد الشعب لا بين الدولة والشعب. منزلة بين منزلتين أيمن العلوي النائب عن الجبهة الشعبية قال انه لا يريد اعطاء الدروس في العدالة الانتقالية او تقديم المواعظ وذكر أن الجبهة الشعبية صادقت على كل ميزانيات الهيئة لأنها منتصرة للعدالة ولكرامة البشر في المطلق لكن السؤال السياسي الذي يطرحه هو أن العدالة الانتقالية مطالبة بضمان حد محترم من ردع وإيقاف وتوقيف من انتهكوا حقوق الناس وحرياتهم حتى لا يقدموا على اعادة نفس الافعال السابقة وتساءل العلوي هل أن الهيئة نجحت سياسيا في لف انصار العدالة الانتقالية من هيئات ومنظمات واحزاب ومجتمع مدني حولها لأن العدالة الانتقالية تكون بين ضدين وأجاب عن هذا السؤال بالتعبير عن أسفه لأن الهيئة جلست في منزلة وسطى بين المنزلتين وهو أخطر مكان يمكن أن تكون فيه هيئة للعدالة الانتقالية لأن هذا الموضع يجعل المسار والقائمين عليه شركاء وفي تحالف وتنسيق اشبه بالمناورة بمن ليس لهم مصلحة من العدالة الانتقالية وهذا خطر على مصير العدالة الانتقالية. ويرى سالم لبيض النائب عن الديمقراطية أن الهيئة لم تنجح في مهامها، وهذا غير متأت من الهيئة في حد ذاتها بل لأن الدولة وعلى خلاف تجارب بلدان اخرى لم تعترف بمسار العدالة الانتقالية ولم توفر الامكانيات للهيئة كي تجسد العدالة الانتقالية فقانون المصالحة الادارية الذي يعتبر عملية نسخ لقانون العدالة الانتقالية هو قانون تصفية حسابات ورغم وجود قانون للأرشيف لم يقع تطبيقه ولم يقع فتح الارشيفات امام الهيئة فالدولة تتعامل مع هذا الموضوع تعاملا ايديولوجيا من اجل اجهاض مسار العدالة الانتقالية وعبر عن خشيته في ان تتحول العدالة الانتقالية بعد سنة الى تراث دون تحقيق المصالحة التاريخية المطلوبة ودون اعتراف الدولة بمسؤوليتها تجاه الانتهاكات التي حدثت ودون محاسبة الجلادين وأضاف أنه يجب فتح حوار مع اجهزة الدولة لتبين هل هناك جدية لإنجاح المسار ام سيقتصر الامر على الدعاية الايديولوجية. وبين كريم الهلالي النائب عن افاق تونس ونداء التونسيين بالخارج أنه يؤيد مسار العدالة الانتقالية، وذكر ان الهيئة بلغت مرحلة اللعب في الدقائق الاخيرة فأين وصلت في عملها اضافة الى الخصومات التي استمرت فيها لوقت طويل وهو ما ثير القلق لان الدولة لم تضع اموالا في الهيئة لكي تحصل تلك الخصومات ولاحظ الهلالي ان ارساء العدالة الانتقالية طال اكثر من اللزوم لأنه في بلدان اخرى يقع غلق الملف بعد سنة من الانتقال واستحسن الهلالي اعتماد الهيئة الميزانية حسب الاهداف. ◗ سعيدة بوهلال سهام بن سدرين: يبدو أن العدالة الانتقالية غير موجودة في قاموس رئيس الحكومة تعقيبا على استفسارات نواب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية وملاحظاتهم خلال جلستهم المنعقدة أمس بقصر باردو، بينت سهام بين سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة أن هناك من أعاب على الهيئة عدم نشر حصيلة اعمالها لكن القانون نص على أن النشر يكون عند نهاية اعمالها. وبخصوص الخصومات بينت ان الهيئة عاشت ازمة سبتمبر الماضي لكنها تجاوزت الاشكال وارجعت ضعف الاتصال الى الاعلام وبين ان المشهد الاعلامي في تونس لم يقع اصلاحه وأضافت ان الاعلام في حاجة الى اصلاح وقالت ان عدم التواصل ليس اختيارا من الهيئة بل هو مفروض عليها. وعقبت بن سدرين على النواب الذين قالوا ان العدالة الانتقالية موضوع تجاذبات وهي في لب السياسة مشيرة الى انه في جميع انحاء العامل حصل نفس الشيء وقالت ان المصالحة تتطلب مصالحة مع التاريخ ومع الدولة لأنه في تاريخ الدولة المعاصر بعد الاستقلال كانت هناك قطيعة بين الدولة والمجتمع فالدولة اصبحت مصدر انتهاك حقوق الناس وقد تراكم ذلك على مدى سنوات ومن دور العدالة الانتقالية ارجاع ثقة المواطن في الدولة من خلال معالجة الانتهاكات وتحديد المسؤوليات واصلاح المؤسسات. فهكذا على حد تعبيرها يتم الصلح. وأضافت مجيبة عن الاسئلة المتعلقة بالميزانية أن الهيئة لها أهداف وهي تنجز ميزانيتها حسب الاهداف ومهامها واضحة ومفصلة في القانون المتعلق بها وهي كشف الحقيقة وجبر الضرر واصلاح المؤسسات وحفظ الذاكرة. وعن سؤال مفاده هل أن الهيئة قادرة على انهاء مهامها ماي القادم أجابت ان الهيئة بالقانون مطالبة باطلاع مجلس نواب الشعب عن حصيلة اعمالها عند انتهاء المدة ومن واجبها نشر الحقائق التي توصلت اليها خلافا لما ذكرته النائبة يمينة الزغلامي التي قالت ان الهيئة مستأمنة على أسرار الناس. وبينت بن سدرين ان الهيئة لها رغبة ولديها إرادة في ان تنهي أعمالها في الموعد لكن في صورة عدم تمكنها من استكمالها ستطلب التمديد في الآجال بسنة. وسجلت الهيئة على حد تأكيدها ثلاثة وستين الف شكوى وانجزت خمسة واربعين الف وست مائة جلسة استماع سرية، وستنتهي عملية الإستماعات السرية موفى نوفمبر وأكدت ان الهيئة شرعت في اعداد تقريرها النهائي واخذت الاحتياطات لأن الناس لا يقرؤون المجلدات لذلك ستعد كتيبا فيه ملخص وسيقع اعداد نتائج أعمال الهيئة في شكل شريط وثائقي وأضافت أن جلسات الاستماع العلنية ستتواصل، ودعت النواب الى حضور جلسة استماع علنية ستنظمها الهيئة يوم 24 نوفمبر الجاري حول موضوع الرش في سليانة . وبينت ان العدالة الانتقالية مكلفة ونفت ان تكون الشركة التي تعاملت معها الهيئة في الجلسات العلنية شركة اسرائيلية وبينت ان الحملة التي تم شنها ضد الجلسات العلنية هدفها ايقاف هذه الجلسات لأنها تقلق البعض. وقالت ان الهيئة تصدر تقرير نشاطها كل سنة. وسيحال التقرير الجديد عما قريب على رئيس مجلس نواب الشعب وتنظر فيه الجلسة العامة. جمعية معارضة واضافت بن سدرين ان الهيئة تعامل لا كمؤسسة مدسترة بل كجمعية معارضة اذ توجهت بكم كبير من المراسلات للجهات الرسمية لكن لم يقع الرد عليها وأضافت: «العدالة الانتقالية يبدو انها غير موجودة في قاموسه رئيس الحكومة»، وقدمت بن سدرين للنواب عدد المراسلات التي وجهتها الهيئة لكل وزارة. وبخصوص وزارة الداخلية فقد طلب 29 الف شخص الصلح لكن الوزارة رفضت وقالت ان وزير املاك الدولة قال لها أن تنسى كل مطالب الصلح التي تهم حقوق الانسان فالضحية مستعد على حد تأكيدها لمد يده ليسامح لكن الجلاد يرفض الصلح وأضافت ان «الكبارات» الى غاية الان يرفضون الادلاء بشهاداتهم والتعامل مع الهيئة، وشددت انه على الدولة ان تنجز صندوق الكرامة وقالت انه تم التواصل الى اتفاق بشأن الامر المنظم له مع وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية منذ اوت الماضي لكنه لم يصدر واضافت انها اتجهت للجهات الاجنبية لكي تمول الصندوق لكن هذه الجهات قالت انه يجب تركيز الصندوق اولا. وقالت ان الهيئة ليس لها ضحايا اسلاميين وضحايا النقابة وضحايا اليسار وضحايا الرش بل لها ضحايا الاستبداد ومن يريد تقسيم الضحايا تقول له هذا خطير. وعن سؤال اخر مفاده ماذا سيحدث ما بعد الهيئة؟ اجابت بن سدرين إما ان يقع احداث معهد يتولى تنفيذ توصيات الهيئة او أن تحيل الهيئة ارشيفها الى الارشيف الوطني وترى الهيئة انه من المفيد احداث المعهد لكي يحفظ الذاكرة بما يضمن عدم تكرار الانتهاكات. وبين المدير التنفيذي لهيئة الحقيقة والكرامة أن اعمال الهيئة تنتهي آخر ماي 2018 وللهيئة امكانية التمديد بمدة اقصاها سنة ويرفع قرار التمديد معللا في نهاية شهر فيفري وأضاف أن الهيئة لم تأخذ قرار طلب التمديد من عدمه بعد وعندما تم التفاوض مع وزارة المالية، قالت الهيئة ان الاحتمال الاول وارد والاحتمال الثاني وارد وتم الاتفاق على العمل على ميزانية تمتد على مدى سنة لكن ما سيصادق عليه مجلس النواب هو الجزء المرصود الى حدود ماي والذي سيصرف للهيئة واذا جاء قرار التمديد فان المبلغ المتبقي موجود ومرصود ومجمد وهو على ذمة الهيئة فاذا هي مددت في مدة عملها يرفع عليه التجميد وإذا لم تمدد يبقى المبلغ في خزينة الدولة. وقال المدير التنفيذي للهيئة لقد ضبطت الميزانية لسنة 2018 في حدود 8 مليارات و322 الف دينار مقابل 10 مليارات و910 الف دينار سنة 2017 ورصد كل المبلغ لنفقات التصرف من تأجير وتسيير ووسائل مصالح ولا توجد نفقات تنمية. وبين ان الهيئة رشدت نفقات الوقود وعملت الهيئة على توخي منهجية التصرف في الميزانية حسب الاهداف. وبخصوص الانتدابات بين ان الهيئة وضعت دليل اجراءات للغرض وقررت الا تنتدب على الملفات وكل الذين انتدبتهم خضعوا لمحادثات شفوية. وتصحيحا لما قالته النائبة يمينة الزغلامي بين ان الهيئة حصلت على 48 مليارا لا ستين مليارا اما الموارد اخرى التي تحصل عليها الهيئة فهي من برامج اللام المتحدة الانمائي والمفوضية السامية لحقوق الانسان وضبط التقرير المالي بوضوح الموارد المتأتية من الدولة والموارد المتأتية من المانحين.