قال رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة في تصريحات لوكالة رويترز للأنباء أمس أن الحكومة تتجه لزيادة أسعار البنزين وبعض المواد الأساسية ومن بينها الخبز والماء والشاي والقهوة تدريجيا العام المقبل ضمن حزمة إصلاحات فورية لخفض العجز في الميزانية بينما ستبدأ تنفيذ إصلاحات هيكلية لمنظومة الدعم في بداية 2019، وبرّر السعيدي هذه الاجراءات بضرورة تعديل الأسعار نتيجة هبوط قيمة الدينار مقارنة باليورو والدولار والذي أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض المواد التي تستوردها تونس من السوق العالمية مثل البترول والحبوب. وتأتي تصريحات المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة في ظل حالة من عدم الاستقرار مست العديد من القطاعات العامة والخاصة وألقت بظلالها على أغلبية الشرائح والفئات الاجتماعية نتيجة التراكمات والمشاكل العالقة التي نتنظر حلولا عاجلة وجذرية، والتي انضاف اليها مشروع قانون المالية لسنة 2018 بهناته وايجابياته، والذي زاد من منسوب الاحتقان خاصة بعد «فيتو» المنظمة الشغيلة في وجه الترفيع في سن التقاعد واعتباره خطوة نحو تعميق أزمة الأجراء والعمال وتحميلهم وزر الأزمة الاقتصادية الخانقة. وردّا على الاجراءات المنتظرة في قانون المالية الجديد، بدأت جملة من القطاعات ذات الثقل الاجتماعي الرافضة لهذا المشروع، بالتلويح بتنفيذ احتجاجات واضرابات في اتجاه الضغط على الطرف الحكومي لتعديل موقفه ومراجعة قانون المالية في صيغته الحالية، تحركات وضعت حكومة الوحدة الوطنية أمام خياران أحلاهما مرّ، فإما الاذعان والتراجع على الاقل على الفصول الاشكالية في القانون الجديد حفاظا على السلم الاجتماعية، وإما المضي في توجهاتها والدفع نحو تفعيلها على أرض الواقع مهما كانت التكاليف، وهو ما ينذر بمواجهة حتمية بين الحكومة وقطاعات «ثقيلة» بسبب مشروع قانون المالية، مواجهة عواقبها وخيمة، قد تعجل ربما برحيل يوسف الشاهد الذي يتحرك فوق رمال متحركة. ويرى المتابعون للشأن الوطني، أن حكومة الشاهد أخطأت بإعلانها الترفيع في سن التقاعد من جانب واحد، خاصة وأن هذا الإجراء أثار حفيظة اتحاد الشغل الذي اعتبرها تجاوزا غير مبرر لما اتفق عليه مسبقا في وثيقة قرطاج، اضافة إلى الإجراءات المرتقبة في قانون المالية لسنة 2018 والتي قد تعصف بعلاقة «الودّ» بين المركزية النقابية وحكومة الوحدة الوطنية، عوامل تنذر بخطر يحدق بالشاهد وفريقه في ظل ارتفاع وتيرة اضرابات واحتجاجات أججت نار الأزمة الراهنة. على الضفة الاخرى، يواصل الاتحاد العام التونسي للشغل انتهاج سياسة «العصا والجزرة» في تعامله مع الحكومة، حفاظا على مكانته لدى الرأي العام التي تعززت بعد نجاحه في الحوار الوطني، مقابل الالتزام مع الطرف الحكومي وجميع الأطراف الممضية على وثيقة قرطاج، وهو ما يفسر ازدواجية خطاب المنظمة الشغيلة، خاصة ان ما يحصل اليوم من تصعيد في قطاعات حساسة ليس سوى حصاد مر لتجارب الحكومات المتعاقبة التي لم تتعامل بالجدية الكافية مع ملفات التنمية ومحاربة الفساد، والاقتصار على جزئيات ومسكنات زادت في تأزيم الوضع، ويبقى الأخطر في هذا المشهد المعقد، هو تنصل الأحزاب المكونة للحكومة من مسؤولياتها وعدم مساندتها وتذبذب تجلى في تصريحات قياداتها بشأن ضمان الحزام السياسي للفريق الحكومي، بما ينبئ بتحولات خلال الفترة المقبلة، أشرت لهاته التحركات الاجتماعية الأخيرة وارتفاع وتيرة الاحتجاج والمطلبية، وعلى الحكومة مسك العصا من وسطها والسعي في اتجاه المراوحة بين توليف المواقف وتشريك الأطراف «الغاضبة» في رسم الخطوط العريضة مقابل ابتعاد الغاضبين عن منطق ليّ الذارع وتجنب التهديد والوعيد قبل أن تقع السقف على الجميع».