يتواصل النقاش والجدل حول مشروع قانون المالية لسنة 2018 صلب لجنة المالية والتخطيط والتنمية، نقاش أدخل عدّة تعديلات وحذف فصولا برمّتها من مشروع قانون المالية المقترح من الحكومة، وينتظر من الحكومة ومن النواب الذين أسقطوا حوالي 20 بالمائة من فصول المشروع المقدّم تقديم مقترحات جديدة تحافظ على الموازنة العامة وتراعي مبدأ التوازن بين نفقات وموارد الدولة، غير أنه وبعيدا عن الجدل النيابي حول مشروع قانون المالية والذي يبقى جدلا مشروعا ينم عن ديمقراطية المشهد السياسي ككل الاّ أنه في الآن نفسه يعكس مدى هشاشة الحزام السياسي حول الحكومة، حيث أن مشروع قانون المالية كان يفترض وجود حوار حوله بين الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم قبل احالته على مجلس نواب الشعب للبتّ، لكن كثرة التنقيحات والتعديلات التي يتوقّع إدخالها على مشروع القانون تعكس بوضوح غير روح الوحدة الوطنية في صنع القرارات الكبرى للدولة. وفي هذا السياق كان لنا حوار خاطف مع وزير التجارة الأسبق والقيادي المكلّف بالملف الاقتصادي في حزب نداء تونس، محسن حسن، الذي أكّد أن سنة 2018 ستكون وفق كل المؤشرات سنة صعبة على كل المستويات. «هامش تحرّك الحكومة كان ضعيفا» منذ ما بعد الثورة وقانون المالية بات محلّ متابعة من الجميع ومحلّ نقاش عامّ يستمر طوال مناقشة المشروع برلمانيا الى حين المصادقة عليه، وحول الجدل الذي بات يثيره كل سنة مشروع قانون المالية، قال محسن حسن «من المهم أن قانون المالية ومنذ الثورة أصبح يُحدث حراكا في المشهد السياسي وحتى لدى العامة ويتحولّ الى محلّ نقاش من الجميع وهذا أمر ايجابي، فمن المهم أن يبدي الشعب بمختلف فئاته وتوجهاته السياسية والحزبية رأيه في مشروع قانون المالية وفي برنامج الحكومة للإنعاش الاقتصادي». ويضيف محسن حسن «باعتبار أننا نؤسس للديمقراطية، وهناك اليوم مؤسسات ديمقراطية منتخبة فمن الطبيعي أن تتم مراجعة بعض الاجراءات بالرفض أو التعديل لكن مع المحافظة على المبدإ الأساسي التي قامت عليه الميزانية وهو مبدأ التوازن بين نفقات وموارد الدولة، وقد قامت لجنة المالية بما يتوجّب عليها القيام به حيث قامت بالتعديل وذلك بحذف بعض الفصول ولكنها نجحت في المحافظة على التوازن. ولكن عندما أرى حجم التنقيحات في قانون المالية أطرح أسئلة حول طريقة إعداد مشروع القانون الذي كان يُفترض التوافق حوله قبل إحالته إلى مجلس نواب الشعب والى لجنة المالية بين الحكومة من جهة وبين أحزاب الائتلاف الحاكم بصفة خاصّة وكذلك الأحزاب والمنظمات الموقّعة على وثيقة قرطاج، وكان يُفترض أن يقع حوار أكثر عمقا لأن حجم التنقيحات يثبت ان الحوار كان سطحيا عند إعداد مشروع قانون المالية». وبالنسبة لسبب الذي يرى أنه حال دون اجراء هذا «الحوار العميق» وفق تعبيره، قال محدّثنا «لا بدّ من الاشارة إلى أن قانون المالية لسنة 2018 يتم في ظرف اقتصادي ومالي صعب جدّا، وبنمو يقدّر ب1.7 بالمائة لا غير رغم التحسّن الطفيف في 2017، وكذلك في ظرف اختلال كبير في ميزانية الدولة ب6.1 بالمائة وكذلك في ظرف تفاقم لعجز الميزان التجاري والذي من المتوقّع أن يصل الى 15 مليار دينار مع نهاية 2017، مقابل 12.6 مليار دينار في 2016. كما أن تراجع الموجودات من العملة الصعبة والتي بلغت 92 يوما فقط من التوريد، زادت في صعوبة الوضع الى جانب الضغوطات المتواصلة على ميزان الدفوعات حيث بلغت نسبة المديونية 73 بالمائة من الناتج المحلّي الاجمالي وتراجع قيمة الدينار من 14 جانفي 2011 الى جويلية الماضية بنسبة 75 بالمائة مقابل بالدولار و45 بالمائة مقابل الأورو وهو ما يعني مزيدا من تراجع المقدرة الشرائية وتراجع مؤشر التنافسية وهو ما يؤدّي آليا الى صعوبات كبيرة ستواجهها المالية العمومية والمتزامنة مع نسبة بطالة بلغت 15 بالمائة وارتفاع نسب التضخّم، وهذه الوضعية أو هذا التزامن يعدّ من أسوإ الوضعيات الاقتصادية. وقد ذكّرنا بكل ذلك لنقول أن هامش تحرّك الحكومة عند اعدادها لقانون الميزانية كان ضعيفا، فميزانية ب36 ألف مليار نجد أن 26 ألف مليار منها مخصّصة للأجور ولخدمة الدين، كل ذلك في ظلّ وضعية اقتصادية وسياسية هشّة لا تبدو خلالها الحكومة في توافق كامل مع حزامها السياسي، جعل قانون المالية الحالي لا يلبّي رغبات الأحزاب والمنظمات الوطنية التي سعت لتعديل وتغيير بعض الفرضيات أو الاجراءات التي تضمّنها». وبسؤالنا لمحدّثنا حول مدى موضوعية التغييرات التي طرأت على مشروع قانون المالية، قال محسن حسن «التغييرات والتنقيحات وفي جزء كبير منها كانت تعديلات ضرورية، أوّلا على مستوى الفرضيات فكلنا يعلم أن قانون المالية المقترح من الحكومة اعتمد على سعر مرجعي لبرميل النفط في حدود 54 دولارا إلا أن التوقّعات تشير إلى أن برميل النفط سيبلغ أو سيتجاوز عتبة 60 دولارا، وباعتبار أن الزيادة بدولار واحد في سعر البرميل تعني زيادة ب 127 مليون دينار وبالتالي كان تعديل هذه الفرضية ضروري حتى لا نواجه ثغرة مالية في حدود 800 مليون دينار كنفقات ضرورية لدعم المحروقات». مضيفا أن «دور البرلمان القيام بتعديلات على مستوى الاجراءات للمحافظة على المؤسسة لخلق الثروة وكذلك المحافظة على القدرة الشرائية، وما قامت به لجنة المالية هو تعديلات عقلانية ومنطقية ومشروعة ولكن كثرة التنقيحات والتعديلات تعبّر عن أزمة سياسية حقيقية وخطأ في إعداد قانون المالية بين الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم». الترفيع في الاستثمارات العمومية.. الحلّ المفقود وبالنسبة للأهداف التي انبنى عليها مشروع قانون المالية، يعتقد محسن حسن «أن توقّع تحقيق نمو في حدود 3 بالمائة هو هدف قابل للتحقيق بشرط توفّر استقرار أمني وسياسي واجتماعي، ولكن أعتقد أيضا أن تقليص العجز من 6.1 بالمائة في 2017 الى 4.9 بالمائة سنة 2018 هو هدف غير قابل للتحقيق وأتوقّع أن يستمر العجز في حدود أكثر من 5 بالمائة للسنتين القادمتين على الأقل». وبسؤال محدّثنا حول الاجراءات التي يرى أنه يجدر بالحكومة اتخاذها، قال محسن حسن «لدّي ايمان قطعي أن خروج تونس من أزمتها الاقتصادية يقتضي شروطا أوّلها الحوار مع الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج ابان اعداد الميزانية وبالنسبة للإجراءات فأنا أرى أن الخروج من الازمة يقتضي أساسا الترفيع في الاستثمارات العمومية رغم العجز في ميزانية الدولة، لأنه كان يمكن القبول بهذا العجز لو كان توجّه للترفيع في الاستثمارات العمومية في اطار برنامج وطني للاستثمارات العمومية الذي كان في 2017 أقل من 2016، وذلك من خلال تفعيل آلية الشراكة بين القطاع الخاصّ والقطاع العمومي والتي لم تتجاوز 500 مليون دينار في حين أنّي أعتقد أن هذه الآلية قادرة على انجاز استثمارات في حدود 3000 مليون دينار وذلك بإنجاز أشغال تتعلّق بالبنية التحتية والمستشفيات وغيرها من المشاريع الاستثمارية الكبرى. وفي ما يتعلّق بالخوصصة والتي يرى البعض أنه كان يمكن أن تكون حلاّ في البحث عن موارد جديدة لميزانية الدولة، قال محسن حسن «أنا ضدّ خوصصة المؤسسات العمومية العاملة في قطاعات استراتيجية وحيوية مثل المياه أو الكهرباء ولكن كان يمكن خوصصة مساهمات الدولة في القطاع البنكي، فخوصصة بنك الاسكان كان يمكّن أن يدرّ عائدات في حدود 700 مليون دينار واليوم نحن نرى أنه حتى النقابة الأساسية للبنك مع الخوصصة.» ويضيف محسن حسن «أنا كنت من أوّل الناس الذين دعوا الى تجميد المواد الأساسية المدعّمة وأنّه عوض الزيادة في هذه المواد المدعّمة يجب مقاومة الفساد في منظومة الدعم، مثلا عوض الزيادة في سعر السكر كان الأجدى مواصلة تجميد دعم السكر الصناعي، وكذلك من الاجراءات والتي أعتقد أن الحكومة متوّجهة لها وهو التعديل الآلي للأسعار حسب السوق العالمي للمحروقات، بالإضافة الى تفعيل برنامج الحكومة في هيكلة المؤسسات العمومية ودراستها حالة بحالة، وأنا هنا أتساءل مثلا ما هو برنامج الحكومة بالنسبة لشركة الخطوط التونسية؟ وفي ما يتعلّق بتضخّم كتلة الأجور وتأثيرها السلبي على الاقتصاد، قال محسن حسن «ما قيل عن حجم الاجور فأنّي أعتقد أن –ودون شعبوية- أن مستوى الاجور في تونس ضعيف ولكن المشكل يكمن في ارتفاع وتضخّم عدد الموظفين مقابل ضعف النمو ولو كنت في مركز صنع القرار كنت سأضاعف الاجراءات التحفيزية لمغادرة الموظفين للقطاع العام والانتصاب في القطاع الخاص، بما ينعش نوايا الاستثمار من خلال الانتصاب للحساب الخاصّ». ويختم محسن حسن بقوله أن الاقتصاد والسياسية في تونس في حاجة اليوم الى شخصية تشبه شخصية الهادي نويرة أي شخصية قادرة على بثّ الأمل رغم كل الصعوبات، وذلك دون أن يخفي أن سنة 2018 ستكون سنة صعبة وأن الدينار سيواصل تراجعه ولن تستقر الأمور الاّ في النصف الثاني من السنة القادمة، كما أشار إلى أن نفقات الدعم ستتجاوز التقديرات، كما وأن ادراج الزيادة في الأجور سيزيد الامور تعقيدا في ظلّ ضبابية المشهد السياسي».