قدم المعهد العربي لرؤساء المؤسسات ومؤسسة ناومان من أجل الحرية نتائج التقرير الميداني الذي أعده معهد فرايزر حول واقع الحرية الاقتصادية والذي تناول بالتحليل أهم المحاور ذات العلاقة بمجال الحرية الاقتصادية في مجالات التجارة الحرة ودور الدولة في النشاط الاقتصادي ومنظومة الدعم ونقائص قانون الشغل والنظم المالية المتبعة وتداعيات تقهقر الدينار فضلا عن الصعوبات والعراقيل الإدارية واللوجستية التي تعيق تحسن مناخ الحرية في مناخ الأعمال والاستثمار. نظم مكتب مؤسسة روزا لكسمبورغ بشمال إفريقيا ندوة فكرية احتضنها نزل أفريكا بالعاصمة مؤخرا تناولت فكرة البدائل الاقتصادية وطرحت سؤال أي بديل اقتصادي تحتاجه الشعوب العربية في مرحلتها الراهنة ؟ وهل أن النظام الرأسمالي هو قدرنا الوحيد أم أن الشعوب يمكن أن تختار نظاما آخر؟ وإذا كان هناك اقتصاد بديل يكون أكثر عدلا ويحقق العدالة الاجتماعية بين البشر والرفاهية للشعوب فما هي ملامح هذا النظام الاقتصادي البديل؟ في هذه الندوة تم الحديث عن أهمية البديل الاقتصادي وعن ضرورة التفكير في خيار مختلف عن الاقتصاد الرأسمالي ومختلف عن نسخته الجديدة النيوليبرالية وهو حديث ملح بالنظر إلى النتائج التي انتهت إليها الرأسمالية المعولمة في علاقة بقضية العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وفشل هذا النظام في وضع منوال للتنمية يحقق الرفاهية للشعوب ويضمن الحد الأدنى من العيش الكريم وتوفير الشغل والعمل القار الذي يكفل الكرامة للإنسان ونظام صحي يحقق الأمن والسلامة وبيئة نظيفة بأقل أضرار وأقل تلوث وفي علاقة بالسياسات الاقتصادية المتبعة للسيطرة على الشعوب من خلال آليات تكبّل الإنسان وتجعل الثروة محتكرة لدى فئة قليلة من البشر. إن فكرة البدائل الاقتصادية هي فكرة تطرحها مؤسسة روزا لوكسمبورغ ليس من وجهة نظر إصلاحية لتدارك إخلالات وأخطاء الرأسمالية وإنما من منطلق أن النظام الرأسمالي لا يمكن له أن يتواصل أكثر وأن البشرية بعد أن عاشت عقودا في ظله فإنها تحتاج إلى نظام جديد يكون البديل عنه.. تطرح فكرة البديل الاقتصادي من منطلق الحلول الجذرية ومن منطلق الأزمة العميقة التي تعرفها الرأسمالية والتي لم يعد تفيد معها الإصلاحات أو التدارك أو عملية الإنقاذ. والمطروح اليوم هو التفكير في بديل اقتصادي جديد يأخذ مكان النظام الاقتصادي الحالي. ولكن السؤال الملح اليوم عن أي بديل للنظام الرأسمالي نتحدث؟ وهل ثمة بديل آخر غير الرأسمالية بعد أن فشلت الاشتراكية في تحقيق المأمول للإنسان؟ وكيف يمكن التخلص من الرأسمالية بعد أن أضحت النظام العالمي الوحيد اليوم وبعد أن حصّنت نفسها بآليات تجدد لها الحياة وتضمن لها الاستمرار تجاه الأزمات فالذي يميز الرأسمالية اليوم هو قدرتها على أن تجدد نفسها وقدرتها على تجاوز الصعوبات وتخطي المآزق. فهل يمكن اليوم أن نتحدث عن مرحلة ما بعد الرأسمالية وعن عودة الاشتراكية كنظام اقتصادي بديل برؤية جديدة تتفادى أخطاء تجربة التطبيق التي مرت بها في بلدانها الأصلية والتي انتهت إلى خيبة أمل كبرى في قدرة النمط الاقتصادي الاشتراكي على إسعاد الإنسان؟ ما يمكن قوله أمام كل هذه الأسئلة المشروعة والحارقة هو أننا نعيش لحظة متوترة جدا تعكس المأزق الكبير الذي وصلت إليه البشرية في ظل تطبيق النظام الرأسمالي ونظرية اقتصاد السوق المحرر من كل القيود. ما يمكن الخروج به من هذه الندوة الحائرة هو أن الحديث عن العدالة الاجتماعية وعن إرساء منوال تنمية عادل يحقق الكرامة للإنسان ويستجيب بالقدر المطلوب لحاجيات المواطنين ويسمح بإرساء نظام اجتماعي واقتصادي متوازن هو حديث عن البديل الاقتصادي القادر على أن يأخذ مكان النظام الرأسمالي وهو كذلك حديث عن الإنسان البديل للإنسان الحالي الذي ارهقته المنظومة الليبرالية في بعدها الاقتصادي وفي هذا المستوى من التفكير فإن توضيح معالم البديل الاقتصادي هي مسألة جوهرية وأساسية لذلك فإننا نجد اليوم الكثير من المنتصرين لفكرة البديل الاقتصادي يتحدثون عن تطوير الصناعة والفلاحة كرافعة اقتصادية واجتماعية للدول التي تطمح الى تحقيق تنمية متوازنة وعدالة اجتماعية وإنسان مختلف. فالقطاعات الأكثر قدرة على تحقيق الثروة وتحقيق الازدهار الاقتصادي هي الصناعة والفلاحة لذلك فإن الاقتصاد البديل من المفروض وفق هذه الرؤية أن يراهن على هاذين القطاعين أما القطاعات الأخرى مثل السياحة والتكنولوجيا والخدمات فهي قطاعات مكملة وتأتي في مرتبة ثانية فالذي يراكم الثروة هي الصناعة والفلاحة وكل تجارب التحرر الوطني وكل محاولات الخروج من التخلف قد أثبتت أن الصناعة والفلاحة هما العمود الفقري لأي نهضة وتقدم وطالما لم يركز البديل الاقتصادي على القطاعات الأكثر جلبا للثروة فإننا لن نستطيع أن نتخطى المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الحالي ولن نقدر أن نبني نظاما بديلا يحقق الرفاهية للإنسان والسعادة للمواطن.