تعرف بلادنا منذ سنوات احدى اصعب الازمات الاقتصادية منذ الاستقلال فالى جانب تآكل نمط التنمية الذي وضعته بلادنا منذ بداية السبعينات والذي ارتكز على توازن بين القطاعات المتجهة للسوق الداخلية والقطاعات المصدرة ذات الكثافة العمالية العالية فقد ازدادت الصعوبات الاقتصادية حدة اثر الثورة بفعل الاضطرابات السياسية والامنية والاجتماعية وتصاعد الارهاب التقت كل هذه العوامل وادت الى الازمة الاقتصادية التي نعيشها منذ سنوات والتي لم نقدر على تجاوزها. ولئن تعددت مظاهر هذه الازمة من هشاشة النمو وتصاعد البطالة وتراجع الاستثمار فان ازمة المالية العمومية اختزلت حدة هذه الازمة وعمقها. وازمة المالية العمومية هي نتاج النمو السريع لمصاريف الدولة وبقاء المداخيل في مستويات اقل تطورا مما نتج عنه عجز كبير للميزانية وتطور كبير للمديونية لمجابهته. وقد اشارت عديد الدراسات الى ان التهرب الجبائي والاقتصاد الموازي هما من اسباب هذا النمو المحدود لموارد الدولة وعجزها عن مواجهة التزاماتها. وقد اشارت هذه الدراسات الى ان تحسين استخلاص الاداءات وايقاف التهرب الجبائي سيساهمان بصورة كبيرة في تخفيف حدة ازمة المالية العمومية. وفي هذا الاطار نريد الاشارة الى دراسة هامة صدرت منذ ايام وقام بها الاستاذان محمد الهدار ومصطفى بوزيان في اطار انشطة جمعية الاقتصاديين التونسيين بعنوان «Ancrage de la justice fiscale» وتعتبر هذه الدراسة في رأيي من اهم الدراسات التي تم انجازها في السنوات الاخيرة حول التهرب الجبائي في بلادنا ففي دراسة علمية دقيقة ومن خلال المعطيات الرسمية توصل الباحثان الى تحديد مستوى التهرب الجبائي في بلادنا ففي سنة 2015 قدرت الدراسة مستوى التهرب على الاداء بين 1.8 و2.5 مليار دينار كما قدرت هذه الدراسة مستوى التهرب في دفع الاداء على القيمة المضافة في نفس السنة ب1.1 مليار دينار وهكذا نقول ان تقديرات التهرب الجبائي في بلادنا تجاوزت 3 مليار دينار. وهذا الرقم يعتبر هاما خاصة اذا ما قارناه بالعجز في ميزانية الدولة والتي وصلت الى 4 مليار دينار وهذا يعني ان محاربة التهرب الجبائي كان يمكن ان توفر لنا %75 من عجز الموازنة. هذه الدراسة الهامة وهذه الارقام تشير الى اهمية التهرب الجبائي في بلادنا وضرورة التصدي له بكل جدية من اجل الخروج من أزمة المالية العمومية.