شنّت وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة حملة على خطر كبير يهدد الناشئة وذلك بعرضها لأقراص مخدّرة تحمل ألوانا زاهية ومغرية تباع أمام المدارس والاعداديات والمعاهد الثانوية على أنها نوع من الحلوى او العلكة. الحملة لئن اتسعت رقعتها افتراضيا وانخرطت فيها شريحة هامة من التونسيين معظمهم من الأولياء الا أنها على ما يبدو لم تصل الى مسامع المسؤولين الذين لم نر منهم ما يؤكد اهتمامهم بالمسألة رغم أنها على درجة كبيرة من الخطورة. إن استهداف المؤسسات التربوية وإغراق محيطها بشتى أنواع المخدرات من المفترض أن تكون ضمن الاهتمامات الرئيسية لمسؤولي الشأن التربوي في بلادنا ذلك أن تجّار السموم يرومون بأنشطتهم المحظورة القضاء على مستقبل الاجيال الصاعدة وبالتالي نسف مستقبل البلاد برمّته عبر خلق أسواق جديدة من ناحية وضمان ديمومة نشاطهم وذلك بخلق قاعدة واسعة من المتعاطين.. فالأطفال والمراهقون المغرر بهم سيستمرون بحكم أعمارهم في تعاطي تلك السموم الى سنوات طويلة بل قد يتحولون مع مرور الوقت الى مساهمين في ترويج المواد المحظورة داخل المدارس والمعاهد وهو خطر اذا لم تتكاثف الجهود لمحاصرته فستكون نتيجته الانزلاق نحو الهاوية والقضاء على أمل البلاد ومستقبلها.. فأطفال اليوم هم صناع الغد وأيّ استهداف لهذه الشريحة يعد تفتيتا للقوة الضاربة في المجتمع. مما يعزز المخاوف من تنامي هذه الظاهرة الخطيرة ومن مواصلة تجاهلها أننا رغم الدراسات والاحصائيات لا نملك معطيات رسمية عن عدد الأطفال والمراهقين والشباب الذين انزلقوا نحو مستنقع المخدرات بجميع انواعها وان كل ما يرد من أرقام يبقى مجرد تقديرات ليس الا، بالإضافة الى أننا نتهرّب من الاعتراف بأن محيط مؤسساتنا التربوية ليس آمنا وأن تعدّد المقاهي وقاعات الألعاب وكثرة الباعة المتجوّلين امام وعلى جنبات المنارات العلمية يعد أرضية خصبة لتشجيع الأطفال على الانحراف خاصة خلال الساعات الجوفاء او عند غياب المدرسين والأساتذة حيث تغلق امام التلاميذ ابواب المؤسسات التعليمية وُيلقى بهم في الشارع دون رقيب ليستمدوا منه سائر الآفات والأمراض الاجتماعية وليطيح (أي الشارع) بمن يفترض أنهم بُناة الغد. منذ سنوات والاصوات تتعالى بوجوب تحصين رواد المدارس والاعداديات والمعاهد الثانوية من الأخطار المتأتية من خارج الاسوار ومن ضرورة «تنظيفها» من الباعة المتجولين ومن المتسكعين لكن تلك النداءات لم تجد آذانا صاغية وها نحن اليوم نجني ثمار الصّمت والتجاهل.. عنف داخل الحرم المدرسي.. اعتداءات على الاطار التربوي.. اسلحة بيضاء في المحفظات.. تدخين.. تعاطي ومستوى دراسي يتدنى سنة بعد أخرى.. كل ذلك يحدث والجميع يتفرّج ولا يتحرك بما في ذلك الوزارة وادارات المؤسسات التربوية والمجتمع المدني وبعض الأولياء وايضا الاعلام. ان انتشال اطفالنا من براثن غول المخدرات واجب وطني لا بد من ان تتجند له جميع الهياكل فنحن لم نسمع يوميا عن ايفاد وزارة التربية لمبعوثين للمدارس والمعاهد لتنظيم لقاءات مع التلاميذ وتنبيههم الى مخاطر الإدمان ولم نر من ادارات المؤسسات رغبة في حماية الاطفال من اخطار الشارع وذلك بتثبيتهم في المدارس والمعاهد خلال الساعات الجوفاء وخلق برامج وانشطة هادفة (المدارس الايطالية مثلا تخصص حصة اسبوعية للتلاميذ لتعلّم فن الطبخ الصحي واعداد الوجبات الغذائية المتوازنة) كما أننا لم نلاحظ في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ومضة تحسيسية واحدة موجهة للأطفال والمراهقين لحثهم على الابتعاد عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر بينما نلاحظ في المقابل اولياء يغرقون جيوب ابنائهم بالمال دون أن يسألوهم كيف وأين أنفقوه.. ومادام كل طرف من الاطراف السابقة لم يع بعد خطورة المسألة ولم يعمل على علاجها فترقبوا مستقبلا قاتما للناشئة وللبلاد.