قد لا يبالي المرء كثيرا بعوامل الرطوبة والحرارة ونسب مطابقة الهواء بالأماكن المغلقة للمعايير المطلوبة. سواء تعلق الأمر بالمؤسسات الحاضنة للأطفال في سن ما قبل الدراسة وبالمؤسسات التربوية وبالفضاءات المفتوحة للعموم وبالمساكن وأماكن العمل.. غير ان صيحات الفزع والتحذيرات البالغة الجدية التي أطلقها المشاركون في الأيام الوطنية 21لحفظ الصحة حول «الهواء الداخلي والصحة» يومي6و7ديسمبر الجاري تمثل ناقوس خطر كبير لضرورة التدخل العاجل للتصدي للتأثيرات السلبية لهذه الوضعية خاصة أن الترابط الوثيق بين الصحة وهذه الاماكن تؤكدها عديد الدراسات الوبائية. ولعل الأرقام التي تقدمها المنظمة العالمية للصحة تؤكد قوة العلاقة بين العنصرين حيث أن 4 ملايين من الوفيات المبكرة في العالم ناجمة عن تدهور نوعية الهواء الداخلي للمنازل جراء استعمال المواد الصلبة في الطهي. كما أن نصف الوفيات الناجمة عن الالتهاب الرئوي لدى الأطفال دون الخمس سنوات تعود إلى استنشاق جسيمات عالقة ناجمة عن تلوث الهواء في الأماكن المغلقة. قائمة الأرقام والمؤشرات العالمية تطول لكن ماذا عن وضعنا الداخلي وعن مصادر الخطر المحدق بالأفراد خاصة الأطفال جراء تدهور جودة الهواء الداخلي. وأي مكانة او عناية توليها وزارة الصحة في مواجهة التأثيرات السلبية لهذه العوامل؟ جانب من الأجوبة المنشودة أتى عليها الدكتور محمد الرابحي مدير حفظ الصحة وحماية المحيط في مداخلته خلال التظاهرة العلمية المنعقدة الأسبوع المنقضي والتي انطلق فيها من نتائج المسح الوطني الأول من نوعه من حيث رقعة امتداده وعدد المؤسسات التربوية المستهدفة بالتغطية للتوقف عند تشخيص وتقييم ظروف حفظ الصحة والمحيط برياض الأطفال والمحاضن ودور الحضانة المدرسية والمدارس الابتدائية البالغ عددها الإجمالي قرابة7 آلاف مؤسسة. وعلى أهمية النتائج التي أسفر عنها هذا العمل الضخم وتطرقها لمختلف العوامل الصحية والبيئية بهذه الفضاءات والتي تعرضت لها «الصباح» بالتفصيل عند صدور المسح نتوقف في هذه المساحة على بعض المؤشرات الصادمة التي ذكّر بها الرابحي لندرك عمق المخاطر المهددة لصحة الأطفال والطابع الاستعجالي لتدارك عواملها عبر استراتيجية عمل وقائي في التصرف في هذه المخاطر. تدهور خطير أبرز المؤشرات التي تعرض لها المسح تبين أن مؤشر رطوبة الجدران الداخلية للقاعات بلغ مستويات تؤدي إلى نمو الفطريات وما يمكن ان ينجم عنها من تأثيرات سلبية على صحة الأطفال بحوالي10بالمائة من مجموع قاعات رياض الاطفال والمحاضن، و13بالمائة من مجموع قاعات التدريس بالمدارس الابتدائية. وبخصوص نسبة استجابة او مطابقة القاعات في تحقيق مجال الارتياح الخاص بمؤشري الحرارة والرطوبة النسبية للهواء لا تتجاوز42.5 بالمائة من مجموع القاعات بمؤسسات ما قبل الدراسة، و18.5بالمائة فقط بمجموع قاعات التدريس بالمدارس الابتدائية. مؤشرات خطيرة تعكس تدهور جودة الهواء وعدم المطابقة للمعايير الصحية والبيئية المطلوبة بالفضاء التربوي. فكيف تعاطت وزارة الصحة مع هذه المعطيات ومع النتائج العامة المتمخضة عن المسح الوطني؟ تنسيق ومتابعة بحسب محمد الرابحي فإن كامل تفاصيل النتائج تم تمكين الوزارات المعنية منها مع اقتراح برنامج التدخل للتصرف في وضعيات عدم المطابقة مع التعهد بالمتابعة والتنسيق وتقييم الخطوات المنجزة في هذا الصدد وفقا لما أكده في تصريحات سابقة ل»الصباح» في هذا الشأن. وتعمل الوزارة حاليا على توفير امكانيات العمل الضرورية والتكوين الملائم بما يضمن تدعيم قدرات منتسبيها في مجال تشخيص الوضعيات ومعالجة شكاوى المواطنين بالنجاعة المطلوبة. وفي إطار برنامجها الوقائي سيتم خلال الفترة القادمة تدارس امكانيات إنجاز مشروع «اعتماد» لمصالح المراقبة الصحية الراجعة بالنظر لوزارة الصحة طبقا للمعايير الدولية. اشكاليات ونقائص غير انه على اهمية الجهد الوقائي المبذول من مختلف الهياكل والوزارات لم يفت المتحدث الإشارة في مداخلته إلى الاشكاليات التي يطرحها تلوث الهواء وما يلحقه من ضرر بالمتساكنين في بعض المناطق. لافتا النظر إلى أن الوقاية من تدهور نوعية الهواء الداخلي تشكو عديد النقائص المرتبطة أساسا بالإمكانيات والإطار القانوني والمؤسساتي. وتعد الثغرة القانونية من أبرز الاشكاليات التي تعيق حاليا برامج الوقاية وهو ما جعل التوصيات المنبثقة على التظاهرة الوطنية الخاصة بهذا المحور تركز على هذا الجانب وتؤكد على تعزيز الجانب التشريعي ووضع الآليات الكفيلة بدعم برامج التدخل والتصرف الوقائي. مخرجات وتوصيات تمخضت أشغال الندوة الوطنية عن جملة من المخرجات والتوصيات الهامة التي يمكن أن تساعد في حال تبنيها وإقرارها عمليا في الحد من مظاهر الاخلال بقواعد المطابقة لجودة الهواء الداخلي عند تصميم البنايات وتعزيز دور المراقبة البيئية والصحية ودعم الجانب الوقائي. من بين أبرز ما ورد بالتقرير الصادر في هذا الشأن ما يتعلق بتعزيز فرق الصحة البيئية العائدة بالنظر لوزارة الصحة ماديا وبشريا، وجعل مراقبة الهواء الداخلي عنصرا أساسيا في خطط عمل الصحة البيئية بالفضاءات المغلقة المفتوحة للعموم. ووضع آليات ناجعة لتبادل المعلومات بين مختلف المتدخلين في مجال التصرف في المخاطر المرتبطة بتدهور نوعية الهواء الداخلي، مع تعزيز برامج التحسيس والإعلام الموجه للعموم وللفاعلين في الوسطين المدرسي وقبل الدراسي. في جانب المتعلق بالإطار القانوني والمؤسساتي تم التأكيد على دعم هذا الجانب عبر مراجعة النصوص القانونية المتعلقة ببناء الفضاءات المدنية من أجل وعي أكبر بأهمية احترام متطلبات جودة الهواء الداخلي، وتشريك فاعل لوزارة الصحة في أشغال اللجان المكلفة بإسناد رخص بناء المنشآت المستقطبة للعموم وإدراج الجانب الصحي ضمن دراسة التأثيرات البيئية للمشاريع. كما تم التأكيد على تحيين كراس الشروط المنظم لأنشطة المؤسسات الحاضنة للأطفال في سن ما قبل الدراسة بالتنصيص على احترام شروط المطابقة لنوعية الهواء الداخلي بفضاءاتها.