ساعات معدودة فصلت بين اختتام اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ في القاهرة، والذي والحق يقال كان أمينا لتعهداته وإصراره على تحقيق الخيبات والتمسك ببيانات العجز والفشل والمهانة، وبين القمة الاستثنائية المرتقبة اليوم في اسطنبول لمواصلة البحث في سبل الرد على قرار الرئيس الامريكي الظالم بشأن نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدسالمحتلة... والحقيقة أنه برغم قتامة المشهد وغياب الاسباب التي من شأنها أن تدفع للتفاؤل بنتائج موعد اليوم الذي يفترض أن يجمع قادة وممثلي اكثر من خمسين بلدا، فان الأنظار لا يمكن أن تحيد عن لقاء اسطنبول اليوم وما قد يصدر عنه من قرارات يمكن أن تساعد على كبح جماح اندفاع الرئيس الامريكي دونالد ترامب المندفع الى تبني موقف الكيان الاسرائيلي المحتل والانتصار للاستيطان والتوسع وانكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ولكن وهذا الأخطر الاصرار على دوس وإلغاء قرارات الشرعية الدولية والقوانين والقيم والمبادئ الكونية التي اشترك مؤسسو أمريكا في صياغتها وارساء النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.. طبعا لسنا واهمين وندرك جيدا حدود المناورة وهشاشة المشهد العربي والصراعات الدموية التي تعصف بالمنطقة العربية وترهن سيادة القرار فيها بالخارج.. ومع ذلك فقد وجب التوقف عند بعض الاشارات التي هيمنت على المشهد في الساعات القليلة الماضية التي سبقت افتتاح قمة اسطنبول اليوم. ومن ذلك جولة الرئيس الفلسطيني أبو مازن واللقاءات المكثفة التي يواصل القيام بها في مصر والاردن والتي تأتي بالتزامن مع خطوة مهمة لا يمكن اسقاطها وهي الفشل الذريع لرئيس الوزراء الاسرائيلي ناتنياهو في محطته الفرنسية حيث كان جواب الرئيس ماكرون واضحا بشأن السفارة الامريكية، وهو فشل تكرر في العاصمة الاوروبية بروكسيل التي جددت موقفها الرافض لهذا القرار المرفوض اوروبيا ودوليا.. وقد جاء الموقف الروسي بدوره ليرفض هذه الخطوة.. ولاشك ان في هذا الاجماع الدولي بشأن رفض منطق البلطجة واجهاض الشرعية الدولية ما يوفر ارضية لا يستهان بها للقمة الاسلامية التي يتعين عليها استباق مساعي ناتنياهو والبناء جديا على الدفع باتجاه تبنى المجتمع الدولي أوّلا، خيار اعلان نهاية الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وثانيا اعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بما يعيد القضية الى الحضن الذي يفترض أن يتم البحث فيه عن الحل السياسي الذي تأخر أكثر مما ينبغي والذي استنزف تضحيات أجيال متعاقبة لم تعرف غير الضياع والتشرد واللجوء والدمار... طبعا ستحاول الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة اختلاق الذرائع لعرقلة وإلغاء هذا الامر والتعجيل بإثارة ورقة عقدة الضمير الاوروبي والمحرقة اليهودية لمواصلة سياسة الابتزاز... وهي محاولات طالما لجأت اليها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة للفوز بصك البراءة والقفز على الشرعية الدولية.. حتى الان وبعد اسبوع على المظاهرات الاحتجاجية الشعبية في مختلف انحاء العالم فان ردود الفعل لم تخرج عن إطار العاطفة المتأججة التي ستتراجع مع مرور الوقت ولن تحقق مبتغاها... فصناع القرار لا يكترثون كثيرا باهتزازات الشارع وتحركات الراي العام الدولي. هل ستكون قمة اسطنبول موعدا آخر مع النكسات والنكبات، وهل من أسلحة سياسية وديبلوماسية متبقية يمكن التلويح بها للضغط على واشنطن وحليفها الاسرائيلي؟ وحدها الساعات القادمة يمكن أن تجيب على هذه التساؤلات وغيرها.. الحالمون فقط ينتظرون معجزة تأتي من اسطنبول ولكن الاكيد أن الفلسطينيين الواقعين تحت نير الاحتلال قد استوعبوا كل الدروس وهم الذين يدركون أنه بالفعل للبيت رب يحميه، ولكن للبيت أيضا شعب لن يتخلى عما بقي من مقدساته طالما بقي فيه نفس...