آسيا العتروس مشهدان أساسيان لا بد وأنهما سيطرا على نفسية ناتنياهو وهو يقرأ خطابه المتعجرف على أعضاء الكونغرس أحد أهم مؤسسات صنع القرار في العالم، أما المشهد الاول فهو دون شك الزحف الشعبي لمآت بل آلاف الفلسطينيين العزل الذين تحدوا القوات الاسرائيلية ونجحوا ولأول مرة في تجاوز الحدود ومعانقة تراب فلسطين وهو مشهد من شأنه أن يؤرق الاسرائيليين ويفرض عليهم اعادة حساباتهم قبل تحديد شروط السلام الذي يريدون فرضه على الفلسطينيين وعلى بقية الشعوب العربية وربما سيكون من الصعب على ناتنياهو أن يتخيل المشهد اذا ما قرر الملايين الزحف على فلسطين. أما المشهد الثاني الذي لا يمكن لناتنياهو تجاوزه فيتعلق بربيع العالم العربي وما يمكن أن يفرضه على المشهد من تحولات باتت ملامحها الاولى تتضح مع ظهور مؤشرات لا يستهان بها مع استعادة مصر الثورة دورها المطلوب على الساحة ومن ذلك قرار اعادة فتح معبر رفح بشكل يومي بعد أن كان المعبر مغلقا في وجه الفلسطينيين في غزة وهي خطوة ما كان لها أن تتحقق بدون المصالحة بين فتح وحماس.أما النقطة الثانية التي لا يمكن أن تريح ناتنياهو فهي بالتأكيد تلك المرتبطة بالاصوات المتعالية في مصر بايقاف صفقات الغاز الى اسرائيل واعادة مراجعة العقود بين الجانبين بما يجنب الشعب المصري المزيد من الخسائر المجانية... ساعات قليلة فصلت بين خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما الذي دعا فيه الى اقامة دولة فلسطينية على حدود ال67، وبين خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي ناتنياهو أمام الكونغرس الذي يبدو أنه نسي اضافة شعار «الكونغرس الاسرائيلي» على مدخل البناية حتى يكتمل المشهد الذي أراده ناتنياهو وهو يلقي بخطابه أمام الكونغرس الامريكي بمجلسيه الذي لم يتردد أعضاؤه في مقاطعة ضيفه بالتصفيق الحار ثلاثين مرة فيما كان يهذي بخطاب لا يبدو أن الحضور كان يستمع لكلماته أو يفقه عباراته وهو يردد نظريته القديمة الجديدة حول الدولة الفلسطينية، ولو كان ناتنياهو طالب الحضور باسقاط أوباما وطرده من البيت الابيض لكان حصل على ما أراد... ولا شك أن اختيار المسؤول الاسرائيلي مثل هذا التوقيت لالقاء خطابه لم يكن بالامر الاعتباطي والارجح أن ناتنياهو أراد له أن يكون ردا على طريقته على الرئيس الامريكي في عقر داره على موقفه من الثورات العربية وما باتت تفرضه من تحولات على السياسة الخارجية الامريكية ازاء منطقة الشرق الاوسط عموما. طبعا انشغال أعضاء الكونغرس بخطاب ناتنياهو جعلهم لا يتفطنون الى ما تعرضت اليه ناشطة يهودية من اعتداء عندما حاولت مقاطعة ناتنياهو وهو يتباهى بديموقراطية اسرائيل التي لاتقبل المقارنة في الشرق الاوسط. ما وصفه ناتنياهو بالتنازلات المؤلمة لم يكن سوى محاولة التفافية جديدة لاستباق الاحداث وإجهاض كل محاولة فلسطينية للذهاب الى مجلس الامن الدولي ومنها الى الجمعية العامة لاعلان الدولة الفلسطينية خلال شعر سبتمبر القادم. ولعل في نتائج استطلاعات الرأي التي سجلت تراجعا ملحوظا في شعبية أوباما في الساعات القليلة الماضية ما يمكن أن يؤشرالى أبعاد وغايات ناتنياهو التي لا تخفى على ملاحظ وهو الذي حرص على احياء لاءاته المعروفة «لا للعودة الى حدود ال67 لا لعودة اللاجئين ولا لتقسيم القدس» الى سطح الاحداث انطلاقا من العاصمة السياسية واشنطن ومن أروقة الكونغرس بعد أن القى خطابا أمام أعضاء ايباك.قد يكون ناتنياهو تناسى في غمرة انفعاله أن لاءاته لا موقع لها في القانون الدولي وأن حدود ال67 تضمنها بوضوح القرار 242 لسنة 1967 والقرار 338 لسنة 1973 أما عودة اللاجئين فقد أقرها القرار194 وأما مصير القدس فقد أقرته عديد القرارات ومنها على سبيل الذكر لا الحصر القرار 252 والقرار 6267 والقرار 453 وغيره من القرارات التي أكدت أن مدينة القدس جزء لا يتجزأ من الاراضي المحتلة وهي قرارات تبقى وثيقة تاريخية تدين جرائم اسرائيل وتحسم بسقوط لاءات ناتنياهوعندما تصطدم بثورة الشعوب...