استطاعت «ليسستراتا» الشخصية المحورية في رواية الشاعر الاغريقي «أريستوفان» أن تمنع حربا استمرت لسنوات بين أثينا واسبرطة، بعد نجحت هذه المرأة بإقناع كل من نساء اسبرطة وأثينا أن يمتنعن عن معاشرة ازواجهن حتى تقف الحرب في إطار حظر الجنس مقابل وقف الحرب، وقد نجحت حيلة «ليسستراتا» وتوقّفت الحرب فعلا. أوّل أمس حضرت «ليسستراتا» كرمز حقق وصنع السلام من خلال حفل توزيع «جوائز ليزيستراتا» من أجل السلام، بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» وذلك بإشراف المرصد المتوسّطي ل»مشروع المتوسّط 21» ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث «كوثر». تسلط جائزة «ليسستراتا « الضوء على المساهمة القيمة للأشخاص أو الأشخاص المعنويين الذين ساهموا عبر الوساطة، في التسوية السلمية للنزاعات في بلدان البحر الأبيض المتوسط وفي باقي أنحاء العالم. منحت الجائزة للمرة الأولى هذه السنة لشخصيات كرست حياتها لخدمة المصالحة أو لمنع الصراع، رغبة في العيش المشترك في كنف السلام. «الصباح» التقت برئيس برنامج «المتوسّط 21» والديبلوماسي السابق محمد نذير عزيزة الذي أمضى أكثر من ربع قرن في منظمة «اليونيسكو» كمدير للقسم الثقافي بهذه المنظمة الدولية، التي قال عنها محمد نذير عزيزة أن هدفها «بناء السلام في الأذهان قبل تكريسه في الواقع»، وقد تتطرّق اللقاء الى أهداف برنامج «المتوسّط 21 « والجوائز التي يمنحها ومدى تفاعل الجهات المعنية في تونس مع هذا البرنامج والذي قال عنها محدّثنا أنه تفاعل دون المأمول وأنه رغم سعيه لأن تحتضن تونس مقرّ هذا المشروع غير أنه ورغم الوعود التي تلقاها مازال ينتظر الى اليوم تفعيل هذا القرار. * في بداية الحوار لو تقدّم لنا برنامج «المتوسّط 21»؟ - هذا البرنامج يحتوي على عدّة جوائز في اختصاصات متعدّدة منها جائزة في الفلسفة وهي جائزة «ابن رشد»، وكذلك هناك جائزة للطبّ هي جائزة «ابن سينا» وكذلك هناك جائزة للصحافة هي جائزة «هيرمس» للصحفيين و»هيرمس» هو إله الإغريقي الذي كان معروفا في أساطير الميثولوجيا الإغريقية القديمة وهو رسول الآلهة الإغريقية، وهذه الجائزة نحن نمنحها بالتعاون مع مجلّة «Réalités « التونسية.. كذلك نحن نمنح جائزة «زرياب» للموسيقى، وبالتالي نحن لدينا جوائز متعدّدة لاختصاصات مختلفة. * هذه الجوائز تهم بلدان منطقة البحر المتوسّط أم منفتحة على بقية البلدان؟ -كل هذه الجوائز تهم منطقة البحر المتوسّط مثلا لدينا جائزة تهم الترجمة تحمل اسم «جيرالد ودي كريمونا» وهو أكبر مترجم في القرون الوسطى وُلد في مدينة «كريمونا» الايطالية وأسّس المدرسة الشهيرة، وهي مدرسة «طليطلة» في الترجمة فنحن نظّمنا فريقا من مؤسسي هذه الجائزة من بينهم مدرسة «طليطلة» وهذه الجائزة جوّالة تُعطى في كل مرّة في مدينة من مدن البحر المتوسّط. *ماذا عن جائزة «ليسستراتا» لو تحدّثنا عنها؟ -توجنا سلسة هذه الجوائز التي يمنحها المشروع بجائزة «ليسستراتا» وربما هذا الاسم غير معروف ولكنه شخصية شهيرة في رواية الشاعر اليوناني «أريستوفان» التي تحكي عن امرأة من أثينا هي «ليسستراتا» التي استطاعت أن تجمع كل نساء أثينا واسبرطة وقد كانا دائما في حالة حرب واقترحت عليهم أن يمتنعن عن معاشرة أزواجهن حتى تقف الحرب في إطار حظر الجنس مقابل وقف الحرب، وفعلا توقفت الحرب، وقد أسسنا هذه الجائزة بتعاون عدد من المؤسسات والمنظمات ومنها مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث «كوثر» والمؤسسة اللبنانية «كاد موس» في جامعة الحكمة ببيروت بالإضافة الى مؤسسة «تاب ري» بفلندا وهذا ما كوّن فريقا من مؤسسي هذه الجائزة التي تخدم أساسا قضية السلام وملف السلام.. واخترنا أن يتم تقديم هذه الجائزة في تونس وبالأساس في بيت الحكمة. *من هم الفائزون بالجائزة في هذه السنة؟ -أوّل فائز بالجائزة كان الشيخ خالد بن تونس من الجزائر وهو من روّاد حركة السلام العالمي وتوصّل يوم 8 ديسمبر الى قرار اعتمدته الجمعية العامّة للأمم المتحدة وكان قرارا يعلن أن تاريخ 16 ماي من كل سنة هو يوم عالمي للتعايش السلمي وهذا يعتبر انجازا كبيرا لقضية السلام في العالم ونحن ما احوجنا الى ذلك في ظلّ الصراعات والحروب المنتشرة اليوم في كل العالم الممزق، لأن دون سلام ليس هناك حياة ودون عدل ليس هناك سلام ودون سلام ليس هناك عدالة. وأسندت الجائزة الثانية الى السيدة «ايلينا رانتا» وهي من فلندا أي من الدولة التي تمنح جائزة نوبل للسلام وهذه السيدة قامت بمساع كبيرة وهامة في اعادة السلام بمنطقة البلقان بعد الحرب التي وقعت هناك، وثالث جائزة ذهبت ل «سانت جيديو» المؤسسة في روما وقامت أيضا بمساع للسلام العالمي وخاصّة في حرب الموزمبيق. وتم أيضا تكريم غازي الغرايري ممثل تونس في اليونسكو لأن منظمة اليونسكو منظمة قامت على تشييد السلام في الأذهان، واردنا كذلك احياء الذاكرة الوطنية والاحتفاء برموز تاريخية وتاريخ تونس كان مشعّا ومضيئا جدّا لذلك كرّمنا الفقيد المنجي سليم ومنحت له هذه الجائزة التي ترمز للسلام وهو ما حرصت عليه شخصيا لأن هذه الشخصية تعتبر مفخرة لتونس وكان له من الانجازات والمساهمات الكبيرة وذات الاشعاع الدولي من ذلك انه تم انتخابه في فيفري 1961 رئيسا للجمعية العامة. وما أردناه من خلال ذلك حثّ الشعوب النامية على استذكار رموزها ومراجعها التاريخية لأن الماضي هو من سيصنع الحاضر والمستقل. * نشاطات مشروع «المتوسّط 21» في الفترة القادمة؟ -هو برنامج يضم 12 جائزة وفي المستقبل سيكون هناك مشروعين واحد مرتبط بتونس لأن بودي تأسيس مشروع جائزة تحمل اسم «حنبعل» وهذه الجائزة تهم الدراسات الاستراتيجية وطبعا اذا كنّا نرغب في تأسيس هذه الجائزة فمن غير المعقول ألا تكون هناك منظمة أو مركز وطني شريكا في هذا المشروع مثل معهد الدراسات الاستراتيجية في مجمع مؤسسي الجائزة . * وهل هناك تفاعل تونسي معكم في هذا المشروع ؟ -للأسف ليس هناك تفاعل من أي جهة تونسية، وهذا لا يبدو معقولا ولا مقبولا وأنا من خلال هذا المنبر أكرّر توجيه النداء للمعنيين بالأمر بأن يبادروا للتفاعل مع هذا المشروع من خلال المشاركة في تأسيس هذا المجمع لمنح جائزة «حنبعل» للدراسات الاستراتيجية، ولا بدّ أن أشير أيضا الى أن هناك مشروعا آخر وهو تأسيس جائزة تحمل اسم «يوغرطة» كرمز للمقاومة من أجل المغرب العربي وهذا المشروع مازلنا في المراحل الأولى من دراسته عكس مشروع «حنبعل' الجاهز الآن. * لو تحدّثنا عن مشروع جائزة حنبعل؟ -هو جائزة سترصد لتشجيع الدراسات الإستراتيجية في بلدان حوض المتوسّط لأننا في حاجة كبيرة للدارسات الإستراتيجية للتمكّن من صنع القرارات الصحيحة لأن الإستراتيجية تعتبر البنية التحتية لكل مشروع، وحنبعل رمز مضيء في كل العالم في ميدان الاستشراف والاستراتيجية، وفي العصور القديمة كان هناك ثلاثة رموز، اسكندر الأكبر، يوليوس القيصر وحنبعل القرطاجني. * في ختام هذا اللقاء هل لديك اضافة على كل ما تقدّم؟ -سنعقد لقاء في شهر جانفي سيكون في تونس لتسليط الضوء على حصاد 2017 الذي منحنا خلاله تسع جوائز متوسطية دولية، فمشروع «المتوسّط 21» هو سلسلة من الجوائز بلغنا خلال السنة المنقضية رقما قياسيا في منح الجوائز وكذلك سنعلن على التظاهرات والجوائز التي ستمنح في السنة القادمة ومنها جائزة «هيرمس» وكذلك هناك جائزة سننظمها مع «كونكت» منظمة كنفدرالية المواطنة التونسية والبنك الفرنسي من أجل الاستثمارات لمنح جائزة «حانون» ذلك القائد القرطاجني الذي قاد رحلة استكشافية بحرية توجهت نحو خليج غينيا لتأسيس مستوطنات ساحلية جديدة وتوسيع مجال التجارة البحرية الفينقية القرطاجنية. والهدف من كل ذلك هو احياء هؤلاء الرموز مثل «حنبعل» و«حانون» و»يوغرطة» الذين يمثلون كنور الموروث الحضاري لتونس، ولكن هذا الجهد يفترض أن يجد تفاعلا من الجهات والهياكل التونسية المعنية، لأننا نحن نسعى لاستعادة اشراقة البحر الأبيض المتوسّط من خلال ربط التاريخ بالحاضر والمستقبل، وبودّي أن يكون هناك وعي بأهمية هذا الجهد الذي قمت به بعد مغادرتي لمنظمة اليونسكو بعد 25 سنة كمدير للقسم الثقافي بهذه المنظمة،هذا الجهد الذي كان بمبادرة شخصية هدفها التوعية بأهمية «الديبلوماسية الثقافية» التي تساهم في اعلاء شأن البلاد بين الأمم والتسويق لصورة ايجابية عن تونس في الخارج.