بقلم: بلقيس الثليجاني متفقد مركزي للملكية العقارية تشرع "الصباح" انطلاقا من اليوم في نشر دراسة قانونية بعنوان "إدارة الملكية العقارية مسيرة وإنجازات" بقلم بلقيس الثليجاني متفقد مركزي للملكية العقارية. تعيش تونس منذ ثورة جانفي 2011 العديد من الهزات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي... وذلك ناتج عن غياب الرؤية السليمة لمعالجة المشاكل التي تعيشها البلاد في القطاعات الحساسة والأساسية وعدم السعي لإصلاح ذلك وفق سياسة حكيمة تقوم على تلازم الأبعاد الثلاثة: البعد السياسي والبعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي.. وبالتالي لن نضمن تنمية البلاد التونسية بصفة دائمة ومنسجمة وبطريقة تتماشى مع الشعارات التي رفعها الشعب التونسي إبان الثورة وهي: (خبز – حرية – كرامة وطنية...) بدون أن تكون لنا وحدة تصور لكل القضايا الأساسية سواء كانتسياسية أو اجتماعية أو اقتصادية التي تتطلب التدخل والإصلاح حتى نعالج المشاكل التي تمسها بنفس الرؤى والتوجيه وأن نخوض نضال الترميم بلا هوادة من أجل أن نحقق النماء والتنمية الشاملة والعادلة التي يجب أن تمس كل أطياف الشعب الذي ثار من أجل تكريسها إذ لا حرية ولا كرامة وطنية بدون تنمية اقتصادية شاملة تعم جميع ربوع البلاد ولا خبز ولا حرية ولا كرامة وطنية خارج مناخ ديمقراطي سليم يضمن كرامة الفرد وعزة ومناعة البلاد ولا كرامة بدون ترقية العمل وجعله واجبا وشرفا إذ بذلك تتطور المجتمعات وتزدهر الأمم وبالعمل والكد والاجتهاد نقضي جذريا على الكسل والتطفل والفراغ الذي يؤدي إلى الانحطاط والإهمال والاتكال على الغير لدى الإنسان. ولا يمكن إنقاذ البلاد إلا بوضع مخطط يقوم على إصلاح عديد القطاعات الجوهرية والأساسية والحياتية ضمن نطاق النظام والوضوح والإرشاد والسهر على وقايته من النقائص والقصور والانحرافات حتى نتمكن من إرساء نهضة شاملة في المجالات الحيوية للمجتمع كالصحة والتعليم والسكن والثقافةمع ضرورة تحقيق التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الإطار أصبح من الضروري العناية بالميدان العقاري كمجال حيوي وحساس في بناء مسار التنمية الاقتصادية من خلال إدخال عديد الإصلاحات للقطاعات التي لها صلة بهذا المجال والسعي إلى معالجة إشكاليات الوضع العقاري وإيجاد الصيغ والآليات الكفيلة بالتوفيق بين حق ملكية العقار الذي هو حق دستوري والاستغلال الأمثل له إضافة لوضع العديد من النصوص القانونية الهادفة للنهوض بهذا المجال وخاصة بالمؤسسات الساهرة على هذا النشاط على غرار إدارة الملكية العقارية والمحكمة العقارية وديوان قيس الأراضي والمسح العقاري وتحيين الأوامر المتعلقة بتنظيم عملها بما يضمن ملكية الأفراد ويحمي حقوق المواطنين ويسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وهذا يبرز مدى أهمية المجال العقاري الذي أصبح رافدا أساسيا في التنمية بالبلاد التونسية إضافة إلى كونه أصبح هدفا يأخذ بعين الاعتبار واقع البلاد وما يعيشه الأفراد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي . إن سنة 1992 شهدت بداية الإصلاحات التي مست السجل العقاري بعد أن فقد مكانته المتميزة ودوره على المستوى الاقتصادي والاجتماعي إذ أن التعاطي عليه بالكيفية المطلوبة وعندما يكون الرسم سليم البيانات وواضح الجوانب القانونية فإنه يوفر الثقة في النفوس والاطمئنان في المعاملات ويحقق الأمان لكل من يتعامل مع العقار وفق البيانات الثابتة التي يحتويها مضمونه وعكس هذا التمشي أي غياب الضمانات وعدم وضوح الحالة الاستحقاقية للرسوم العقارية يؤدي إلى عدم استقرار الملكية وبروز مشاكل لأصحاب العقارات ينتج عنها تعقيدا في قضاء مآربهم اقتصادية كانت أو اجتماعية أو حياتية نظرا لصعوبة التعامل على العقار سواء بالبيع أو الاقتراض الشيء الذي جعل السجل العقاري ينحدر إلى وضع التردي والجمود وينحرف عن القيام بدوره في دفع عجلة الاقتصاد نظرا لافتقاره للمقومات الأساسية والآليات الضرورية التي تجعله يؤدي الدور المنوط بعهدته حيث تميزت الوضعية بكثرة الرسوم العقارية المجمدة أي تلك التي لا تعكس الوضعية القانونية والمادية الصحيحة للعقار المسجل أي رسم عقاري بلا روح وبدون حركة عقارية (لا يمكن إدراج العمليات العقارية الخاصة به بإدارة الملكية العقارية...) وعقار جامد بدون نشاط (لا يمكن استغلاله بطريقة قانونية : البيع والرهن وإدراج حجة وفاة أحد المالكين...) إضافة لغياب جهة ماسكة له بطريقة ناجعة أي جهاز إداري متين ومتكامل من شأنه النهوض بالسجل العقاري خاصة وأن إدارة الملكية العقارية كانت تحوي من بين مكوناتها عدد قليل من الإدارات الجهوية (قفصة – صفاقس – سوسة...) مما زاد في تعقيد عملية التعامل على الرسم العقاري نظرا لوجود العقار في إحدى الولايات ومرجع نظر الإدارة الجهوية التابعة له يشمل 3 أو 4 أو 5 ولايات وبالتالي تمسك الأفراد بالعقارات الراجعة لهم بالملك في موطنهم مع القيام بالعمليات العقارية المتنوعة متى أرادوا ذلك وأهملوا مراجعة وتحيين الحالة الإستحقاقية والقانونية لرسومهم العقارية والموجودة بولاية أخرى والتي تتطلب تنقلهم إليها قصد إدراج ملفات ترسيم عماليتهم العقارية. ومن هنا تدخل المشرع في عديد المناسبات لتلافي تلك النقائص والبدء في عملية الإصلاح ونذكر في هذا الإطار : *- القانون عدد 39 لسنة 1992 المؤرخ في 27-04-1992 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية وتخليصها من الجمود (تكوين لجان جهوية لتحيين الرسوم العقارية وتخليصها من الجمود بكل ولايات الجمهورية واعتبارها الهيكل المختص للقيام بهذه المهمة مع إعطائها جميع الصلاحيات والآليات التي تمكنها من القيام بمهامها وإعداد التصورات والمناهج والوسائل ضمن استرتيجية مستقبلية تساعد على محاربة هذه الآفة ضمن نطاق القانون العقاري والقوانين الأخرى المتداخلة في الميدان العقاري...) . *- القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 04-05-1992 المتعلق بتنقيح وإتمام بعض الفصول من مجلة الحقوق العينية (تحديد الجهة المختصة بتحرير العقود المتعلقة بالعقارات المسجلة...) . (يتبع(