جولة إفريقية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشمل ثلاث محطات تبدأ من السودان مرورا بالتشاد وصولا الى تونس يوم 27 ديسمبر الجاري، وهي جولة يتوج بها نهاية العام 2017 الذي نستعد لتوديعه، وقد يكون في اختيار التوقيت محاولة من أردوغان للابتعاد عن دائرة القضايا المحلية العالقة بالتزامن مع مسلسل الإقالات التي تعيش على وقعها تركيا والذي طال آلاف المدنيين والعسكريين عل خلفية الانقلاب الفاشل الذي كان يستهدف سلطته.. قد يبدو للوهلة الاولى أن جولة أردوغان الإفريقية سياسية بامتياز، فهي تأتي بعد نحو اسبوعين على القمة الاسلامية التي احتضنتها اسطنبول لبحث رد على قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بشأن القدسالمحتلة، وهي القمة التي أدت الى نقل الملف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد الفيتو الامريكي في مجلس الامن.. ولكن الارجح أن باطن الجولة اقتصادي بامتياز وهي تأتي فيما تتجه تركيا للتموقع في القارة السمراء وإعادة ترتيب علاقاتها في المنطقة والرهان على الاستثمار في أسواق تقليدية ولكن أيضا في مناطق جديدة واعدة... الجولة الإفريقية للرئيس التركي انطلقت من شمال السودان وحملت في طياتها رسالة واضحة أن العلاقات مع الخرطوم مهمة وأن القرارات استمرار ملاحقة البشير غير مطروحة، ويبدو أن أردوغان فاز بما يسعى اليه في هذه الزيارة الاولى لرئيس تركي في تاريخ البلدين، حيث تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقات مع هذا البلد الذي بات أقرب الى العبء على القارة، بل وعلى العالم، إذ وبرغم ما يزخر به السودان فلا يزال هذا البلد الذي انقسم الى سودانين: سودان شمالي وسودان جنوبي، يعاني الفقر والجهل والتخلف.. ولاشك أن أردوغان الذي يرافقه في جولته الإفريقية وفد كبير من الوزراء يضم رئيس الأركان خلوصي أكار، ووزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو، والاقتصاد، والزراعة والثروة الحيوانية، والثقافة والسياحة، والمالية، والتربية، والدفاع والمواصلات والاتصالات والنقل البحري، فضلاً عن حوالى 150 رجل أعمال والخبراء في مختلف المجالات، حريص على استعادة البوصلة الإفريقية التي غابت عنها تركيا.. بلغة الأرقام التي نشرتها هيئة الاحصاء التركية فإن حجم التجارة مع الدول الثلاث: السودان وتونس والتشاد، زاد بنسبة 29 بالمائة في السنوات الخمس الماضية. وتأتي تونس على رأس الدول الثلاث في حجم الصادرات التركية خلال الفترة ذاتها، حيث بلغت 4.3 مليار دولار، ثم السودان 1.7 مليار دولار ثم التشاد نحو 78 مليون دولار... ليس خافيا اذن أن زيارة الرئيس التركي الى تونس تأتي بعد الجدل المثير بشأن ميزانية 2018 وما شهده نواب الشعب من شد وجذب بشأن الامتيازات التجارية التي تحظى بها تركيا وتأثيراتها الثقيلة على المشهد الاقتصادي في بلادنا... وفي انتظار ما يمكن أن تحمله زيارة أردوغان لبلادنا - التي ستكون محطته الإفريقية الأخيرة - فإن الارجح أن أردوغان الحالم باستعادة لقب وموقع الامبراطور العثماني سيسعى ربما الى تجديد دعمه لحلفائه في قيادة حركة «النهضة»، ولم لا، تجاوز ما طرأ على العلاقات بين الحليفين من تشنج وتشكيك بعد الانتخابات الجزئية في ألمانيا.. عندما زار أردوغان تونس بعد الثورة خرج في استقباله الاسلاميون بكثافة وبعضهم صلى في الشارع وهو يتطلع الى خطاب أردوغان الذي سرعان ما انفضوا من حوله بعد دعوته لهم بالتأسيس لدستور مدني ودولة مدنية... الزعيم التركي أردوغان حالة استثنائية، فهو يتمتع بقدرة رهيبة على الخطب الحماسية والانتصار للقضايا العربية والاسلامية وخاصة عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية... وظهر خاصة بعد استهداف سفينة مرمرة المتجهة لكسر الحصار في غزة كبطل وهو يهدد بمقاضاة اسرائيل وقطع العلاقات الديبلوماسية ويرفض مصافحة بيريز في دافوس.. كان ذلك قبل ان يتم تعويض ضحايا سفينة مرمرة لتدخل القضية طي النسيان، فلا الحصار عن غزة رفع، ولا العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية والعسكرية قطعت.. وبالأمس وبعد فيتو ترامب هدد بقطع العلاقات مع اسرائيل ونقل السفارة التركية الى القدس.. ما نعلمه ان لإسرائيل سفارة في انقرة وقنصلية في اسطنبول.. وقطع العلاقات مع الاحتلال لم يكن أكثر من شعار سياسي حماسي لمرحلة سياسية في زمن الزهايمر السياسي في انتظار القادم...