منذ سنة وفي كلمته التي توجه بها للتونسيين في مستهل السنة الإدارية الحالية قال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أن سنة 2017 "ستكون سنة الإقلاع وتحقيق نسبة نمو محترمة" معتبرا أن سنة 2016 كانت سنة "صعبة بكل المقاييس". ولا أحد يشكك في صدق أمنيات الرئيس حينها النابعة عن إدراكه ووعيه بحجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومخاطرها المتنامية على استقرار البلاد التي ظلت للأسف النقطة السوداء في مسار ومخاض الانتقال الديمقراطي الذي تعيش على وقعه تونس منذ 7 سنوات من عمر ثورة الحرية والكرامة. اليوم ونحن نستعد لتوديع هذه السنة الإدارية نستطيع القول بصوت عال وغاضب أنها كانت سنة اخرى "مهدورة" لم تنجح للأسف النخبة الحاكمة في استثمارها لوضع قطار تونس على سكة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى وعلى درب الوحدة الوطنية الحقيقية التي وإن تمت بنوايا صادقة وبمسؤولية وطنية من طرف الأحزاب لكانت الوصفة الناجعة دون شك في الخروج بالبلاد من "عنق زجاجة " طال المكوث فيها. لكن تجسيم الوحدة الوطنية على أرض الواقع التي جاءت بها وثيقة قرطاج سنة2016 والتي عول عليها رئيس الجمهورية للإعلان عن سنة الإقلاع، لم يتم كما أريد له أن يكون، والأسباب ليست خافية على أحد وأبرزها تواصل الحسابات الضيقة للأحزاب وصراعاتها سواء بين الشركاء في الحكم والموقعين على عقد قرطاج فالكثير منهم بدا في وضع الجلوس على كرسيين واحد في الحكم وآخر في المعارضة أو بين الأجنحة داخل الحزب الواحد على غرار ما عرفه نداء تونس من "قتال الإخوة" كانت له انعكاسات سلبية على المناخ السياسي في البلاد وعلى وضع وصورة حاكم القصبة ورئيس حكومة الوحدة الوطنية داخل حزبه ووسط الحزام السياسي الداعم له والمشكل لعقد قرطاج. حسابات وصراعات تداولتها الكواليس وخرج بعضها للعلن شتتت جهد الفريق الحكومي وخيمت أزماتها على فترات ما من عمر هذه السنة التي نودعها وكادت أن تعصف بالاستقرار الحكومي لا سيما بعد انشغال الساحة السياسية بتسريبات عن ترتيبات ما تطبخ لاستبعاد الشاهد من القصبة انطلقت مع دعوته من قبل رئيس حركة النهضة لتحديد نواياه في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة وانتهت بما روج عن خلافات الشاهد مع شق من الندائيين ومع مدير المكتب التنفيذي حافظ قائد السبسي. ورغم السعي للتخفيف من وطأة هذه الترتيبات والخلافات ودحضها إلا أن مؤشرات كثيرة تدلل على أن الاستقرار السياسي خلال السنة المقبلة يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات بما فيها مصير وثيقة قرطاج والحفاظ على التحالفات الحالية وطبيعة الحكومة وتشكيلتها ومن يرأسها. وما يدفع إلى ترجيح كفة التغييرات السياسية المحتملة خلال 2018 هو بداية العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية القادمة ومرور الأحزاب إلى السرعة القصوى في تكتيكاتها وتحالفاتها الانتخابية. ونصب أعين الجميع مصالحهم وحساباتهم قبل البحث عن المصلحة الوطنية وكيفية معالجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس. مؤشرات تزيد من المخاوف بشأن مزيد تأجيل استحقاقات وانتظارات التونسيين في العيش الكريم. ولعل المطلوب من النخبة الحاكمة، ونحن نستعد لاستقبال سنة إدارية جديدة، التخلي عن سياسة الهروب إلى الأمام والوقوف بجدية عند الأسباب التي جعلت من السنة الإدارية الحالية سنة أخرى ضعيفة النتائج اقتصاديا وتنمويا. والانكباب على كسب معركة الاقتصاد والاستثمار والنمو والتنمية لأنها أم المعارك اليوم ولم تعد تحتمل المماطلة والتسويف.