أصدرت المحكمة الابتدائية بالكاف مؤخرا حكما يعدّ سابقة في القضاء التونسي قضى برفض إسقاط الحضانة عن أم تزوجت للمرة الثانية برجل أجنبي)فرنسي الجنسية) بعد أن رفع ضدها زوجها السابق قضية إسقاط حضانة تعلل فيها بخشيته من ارتداد أبنائه 3) ذكور) عن الدين الإسلامي وعن تقاليدنا المتعارف عليها. وعن حيثيات القضية وفق ما ورد في نص الحكم فإنها تفيد بأن المرأة المشتكى بها كانت متزوجة من الشاكي إلا أنهما انفصلا في سنة 2011 بعد قضية طلاق لتسند حضانة الأبناء الثلاثة لوالدتهم، ليقع على إثرها تقدم الأب بقضية في إسقاط الحضانة.. ثم بتتالي الجلسات كما اقتضاه سيرها طالب محامي الزوجة المشتكى بها الإذن تحضيريا بإجراء بحث اجتماعي للتأكد من مصلحة المحضونين التي تتمثل في بقائهم مع والدتهم خاصة وان والدهم لا يقوم بالإنفاق عليهم وقد قدم للغرض شهادة نشر لقضية في إهمال عيال، في المقابل تمسكت محامية الشاكي بعريضة الدعوى وقدمت شهادة مكتوبة من شقيقة موكلها تفيد بتعهدها المطلق برعاية الأبناء مضيفة بأن منوّبها لم يقصّر تجاه أبنائه وتمسكت أيضا بطلب إجراء بحث اجتماعي. وفي جلسة 11 أكتوبر 2016 أصدرت المحكمة حكمها التحضيري بإجراء بحث اجتماعي بواسطة مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي بالكاف حول الوضعية المادية والاجتماعية والنفسية للطرفين المتنازعين وكذلك الأطفال لبيان الأصلح منهما بالحضانة، وتنفيذا لهذا الحكم التحضيري لاحظ أعوان مركز الدفاع والإدماج الاجتماعي صلب تقريرهم الذي تقدموا به إلى المحكمة أن الحاضنة تسكن في منزل عصري وان وضعها المادي لا بأس به وان زوجها)فرنسي الجنسية) يتولى فعليا تحمل نفقات العائلة ملاحظين تمسك الأبناء بالبقاء لدى والدتهم، كما أثبت التقرير النفسي أن الأطفال لا يشكون من أية اضطرابات ويتمتعون بصحة جيدة ونتائجهم الدراسية ممتازة وبالتالي فإنهم يرون من الصالح إبقاءهم في حضانتها، ووفقا لذلك طالب محامي المشتكى بها القضاء برفض الدعوى وإلزام القائم بها بان يؤدي لمنوبته مبلغ 500 دينار لقاء أتعاب محاماة، في المقابل لاحظت محامية الشاكي أن منوبها يخشى ارتداد أبنائه عن بيئتهم المسلمة وتقاليدهم العربية متمسكة بطلب إسقاط الحضانة عن المشتكى بها. واعتبرت المحكمة أن إسقاط الحضانة عن المدعى عليها نظرا لكونها تزوجت بأجنبي لا يدين بالدين الإسلامي ولا يمكن لها أن تجاري المدعي في ذلك لان هذا الأمر من المسائل المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد فضلا عن أن مثل هذا القيد من شانها مصادرة حق الطفل في اختيار ديانته وجعله تحت منهج حياة وأسلوب تفكير قد لا يرتضيه عندما يغدو رشيدا واستنادا إلى ما جاء في التقرير الاجتماعي والنفسي ونظرا إلى أن مصلحة المحضون هي الرائد والمقياس لإسناد الحضانة كما أن الشاكي لم يدل بما من شانه أن يفيد بان الأبناء يتعرضون لسوء معاملة أو إهمال ما جعل المحكمة تقر بأن طلب إسقاط حضانتهم عنها وإسنادها إليه غير مبرّر. واعتبرت أن حنان الأم على أبنائها لا يضاهيه أي حنان ولا تعوضه عناية احد ما جعلها تصدر حكمها القاضي برفض الدعوى الأصلية وتغريم الشاكي ب300 دينار لقاء أتعاب محاماة. مصدر قضائي يوضح.. وفي اتصال بالناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بالكاف محمد فوزي الداودي لمعرفة مزيد تفاصيل عن الحكم أوضح بأن الدعوى التي تقدم بها الزوج السابق استندت أساسا على أن طليقته تزوجت برجل أجنبي وأن الدين الذي يحمله هذا الأخير مختلف عن تعاليم ديننا الإسلامي وهو ما جعل المحكمة تصدر حكمها برفض طلب إسقاط الحضانة حيث رأت أن الدين يدخل في باب حرية الضمير والمعتقد وهو حق يكفله الدستور، فضلا عن أن إسناد أو إسقاط الحضانة يرتكز على عدة معايير وليس على الدين فقط ومن بينها الظروف الاجتماعية والمعيشية والصحية للمحضون، وبالعودة لقضية الحال فان البحث الاجتماعي الذي تم إجراءه أثبت وأن المحضونين ظروفهم الصحية والاجتماعية ممتازة وبالتالي لا يوجد أي داعي لإسقاط الحضانة ضمانا لمصلحتهم. رجل قانون يوضّح.. «محكمة الكاف خالفت إرادة المشرع» وسعيا لتسليط الضوء على هذا الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالكاف من الناحية القانونية اتصلت «الصباح» بالأستاذ فيصل النقاطي المحامي الذي بيّن أن الحضانة لا يقع الخوض فيها إلا متى حصل الطلاق بين الزوجين مثلما حصل في قضية الحال، وأضاف بأن إسناد الحضانة لا يعتبر نهائيا إذ بإمكان الزوج في صورة تزوج طليقته مرة ثانية أن يطلب إسقاط الحضانة على أن لا يتعدى ذلك أجل عام من إبرام عقد الزواج وفي صورة تجاوزه لهذا الأجل فانه بذلك أضاع حقه في المطالبة بإسناد الحضانة له. وأشار الأستاذ النقاطي إلى أن طلب إسقاط الحضانة يمكن أن يقع الحكم به في عدة حالات من بينها إهمال الأم الحاضنة لواجبات الحضانة، وكذلك تغيير مكان إقامتها رفقة المحضونين مما يصعب على الزوج زيارة أبنائه كما يخوله له القانون. وبالعودة لتفاصيل قضية الحال خاصة وأن الزوجة كانت مستقرة خارج البلاد مع زوجها الثاني الأجنبي أشار الأستاذ النقاطي إلى أن محكمة التعقيب استقرت على تطبيق الفصل 61 من مجلة الأحوال الشخصية الذي ينص على «إذا سافرت الحاضنة سفر نقلة لمسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظوره سقطت حضانتها»، وبالتالي فانه في حالة سفر الحاضنة مع المحضونين خارج البلاد والاستقرار هناك سيتعطل معه حق الوالد، وأضاف أنه كان على محكمة الكاف التثبت من الأم ومن مسألة استقرارها في الخارج أم لا. وبخصوص ما أسست عليه محكمة الكاف لإصدار حكمها وهو حرية الضمير التي يكفلها الدستور الجديد متمسكة بأحكام الفصل 6 من الدستور التونسي الذي ينص على أن «الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية تلتزم بنشر قيم الاعتدال والتسامح»، وبالتالي فان الدولة دينها الإسلام ومن واجبها أن تدافع عنه، وواصل بالقول أن الدين له أهمية بالغة في إسناد الحضانة وقد حسمها المشرع وهنا استند الأستاذ النقاطي على فصل بمجلة الأحوال الشخصية الذي تغاضت عنه بصفة كبيرة محكمة الكاف وخالفته بصفة واضحة وهو الفصل 59 من مجلة الأحوال الشخصية الذي حدد كيف تسقط الحضانة حيث نص على أنه «إذا كانت مستحقة الحضانة من غير دين أب المحضون فلا تصح حضانتها، إلا إذا لم يتم المحضون الخامسة من عمره، وأن لا يخشى عليه أن يألف غير دين أبيه ولا تنطبق أحكام هذا الفصل على الأم إن كانت هي الحاضنة». وبالتالي فان المشرع كان يخشى من أن يألف المحضون دينا غير دين أبيه وقد قاوم هذا الأمر وتصدى له من خلال بعض الفصول والأحكام، ليختم بالقول أن محكمة الكاف وبالحكم الذي أصدرته تكون بذلك قد خالفت الفصل المذكور وكذلك وإرادة المشرع في حفظ دين المحضون لدين أبيه. جدل زواج التونسية من غير المسلم.. إلى ذلك يشار إلى أن رئاسة الجمهورية التونسية كانت أعلنت في سبتمبر الماضي أنها ألغت منشورا يمنع زواج المرأة التونسية بالرجل غير المسلم، وذلك عقب جدل مجتمعي وديني واسع استمر لأشهر. وكان رئيس الجمهورية أطلق دعوة في شهر 13 أوت الماضي بمناسبة عيد المرأة، من أجل إلغاء القيود القانونية التي تمنع زواج المرأة التونسية من رجل أجنبي غير مسلم، بعد ضغوط مارستها منظمات نسائية وحقوقية طالبت بتمكين المرأة من حرية اختيار زوجها. وتجدر الإشارة إلى أن المنشور 1973 الذي وقع إلغاؤه كان ينص على أنه يجب تقديم شهادة اعتناق الإسلام من أي رجل غير مسلم، لإتمام زواجه بتونسية مسلمة، وفي حال إبرام الزواج خارج تونس دون هذه الوثيقة، فإن عقد الزواج لا يمكن تسجيله في تونس.