حينما نتحدث عن جمعية عريقة مثل النجم وهي تتأهب لإطفاء شمعتها ال95 منذ النشأة، وعندما نتصفح سجلات العطاء الزاخر بالإبداع والثري بالتتويجات، لابد أن نتوقف عند محطات لرجالات بارزين أعطوا الكثير ونقشوا أسماءهم بأحرف ذهبية في سجلات التاريخ والمجد.. رجالات لن تمحى أسماؤهم من الذاكرة ومن بينهم لطفي الحسومي.. هذا اللاعب الذي تداول القدامى والمحدثين اسمه عاليا، ورددت آلاف الجماهير طيلة سنوات (الهتاف) المعروف «حسومي يا حسومي... يا قمح البلومي». ولا يسعنا ونحن نشاهده اليوم مبادرا إيانا بالتحية كما عودنا بأخلاقه ورفعة التربية وحسن التعامل إلا أن نرد على التحية بأفضل منها فكان ذلك مدعاة للوقوف عند المحطات التليدة في مسيرة الحسومي،.. وفيما يلي أبرز ما جاء في حديثنا مع ضيفنا هذا الأسبوع: ● كيف كانت بدايتك في عالم كرة القدم؟ الانطلاقة كانت من «الحومة» أي من الأحياء، فمنذ الطفولة كنا نلتقي غير بعيد عن المنزل في البلاد العربي (المدينة العتيقة) ونتنافس ببراءة ودون حسابات أو غايات سوى الاستمتاع بلذة هذه اللعبة الشعبية الأولى.. كنا مجموعة معروفة أمثال، الهاشمي الوحشي وعبد الرزاق الشابي والحبيب الشريف.. وكان ابن عمي واسطة في التحاقي بالنجم الذي كان حلم كل شاب.. وقد كانت الانطلاقة مع النجم في موسم 69/70 أي منذ 48 سنة خلت.. وكان المرحوم بوراوي سرحان هو مدربنا وهو الذي تعاقبت عليه أجيال من لاعبي النجم المعروفين، ومن هناك مررت بكل الأصناف، المدارس ثم الأداني فالأصاغر وبعدها الأواسط انطلاقا من عام 1979 أي بعد 9 سنوات من انضمامي للفريق. ● مع الأكابر كيف كانت البداية؟ كان ذلك سنة 79 ويعود الفضل للمدرب المرحوم أحمد عمار وأول مقابلة لعبتها كانت ضد سكك الحديد الصفاقسي حيث كنت احتياطيا، وتم إقحامي في الشوط الثاني فكان عطائي مرضيا مما جلب الانتباه إلى إمكانياتي وطاقاتي وتم ترسيمي ضمن الأساسيين في المقابلة الثانية التي لعبتها وكانت ضد الترجي الرياضي وانتصرنا ب(21) وسجلت يومها للحارس كمال كرية هدفا رائعا. ● وما هي الفرق البارزة التي كانت تنافس على الألقاب وقتها؟ الترجي الرياضي والنادي الإفريقي والملعب التونسي والنادي الصفاقسي مع بعض الفرق الأخرى التي تبرز وتختفي على مستوى النتائج المحققة. ● ما هي أهم الذكريات الراسخة في ذهن لطفي الحسومي؟ ذكريات كثيرة ومتنوعة حصل أغلبها ضد النوادي المعروفة طيلة ال14 سنة التي قضيتها مع الأكابر كعنصر أساسي في التشكيلة وقائد فريق في أغلب الأحيان أما أحسن مقابلة بقيت راسخة في ذهني فهي التي لعبتها ضد باريس سان جرمان الفرنسي يوم انهزمنا (13) رغم الهدف الرائع الذي سجلته، كما أتذكر جيدا الهدف الجميل الذي غالطت به حارس الترجي الشيخ ساك قبل انتقاله من باب سويقة الى باردو مع الملعب التونسي.. الذكريات الجميلة كثيرة يطول سردها. ● وآخر مقابلة خضتها؟ كانت في الجولة الرابعة من البطولة ضد الترجي الرياضي بسوسة حينما انهزمنا ب(12).. ولكل بداية نهاية. ● وبعد اعتزالك اللعب؟ دخلت ميدان التدريب بدءا بالإشراف على حظوظ الأداني مع كمال السهيلي ابن النجم وابن الرياضي المعروف مؤسس الوطني السوسي رشيد السهيلي.. كان معنا وقتها رضوان الصالحي وكريم حقي والبلبولي والزين السلطاني وأمين الشرميطي وبلحاج عمر وغيرهم.. لقد قمت آنذاك بتدريب فريق مواليد 1981 وكانت ثمرة العمل ممتازة تجسمها النتائج الحاصلة والتتويجات المهمة المتلاحقة. ● قضيت في النجم سنين طوال.. فماذا جنيت من وراء كل هذا العطاء؟ أنا قلبي كبير.. ولا أعامل الجميع إلا بالحب والإخاء والاحترام، ولا أرد أبدا عمن يحاول الإساءة لي... اسأل أي مسؤول أو أي لاعب زمن السبعينات والثمانينات والتسعينات وما بعدها عني وسيقولون لك من هو لطفي الحسومي.. الشهرة زائلة والحياة نافية والفعل الحسن هو الباقي. ● لماذا لم تفكر وقتها في تغيير وجهتك أو الاحتراف الخارجي خاصة بعدما أعجب بك مسؤولو «باراي سان جرمان»؟ تربيت على القناعة، وفي زمن لم يكن ما نشاهده اليوم متوفرا فالفارق كبير بين السماء والأرض، كنا ندخل عالم كرة القدم ونخرج منه وقد تآكلت أقدامنا دون أن نجن شيئا، مقابل ما يجنيه اللاعبون اليوم من مليارات.... ● هل يعني كلامك هذا أنك ضد الاحتراف الحالي؟ ما يحصل هو سنة التطور في كل المجالات، فالاحتراف أمر ممتاز لصالح اللاعب شريطة الظهور بمستوى مقنع تعاملا وعطاء... قديما كانت «الشهرية» البسيطة التي تمنح للاعب مرتبطة بالحضور واللعب، فإذا تغيب يتم الاقتطاع منها وكأنه يعمل في «حضيرة».. والفرق شاسع بين الأمس واليوم.. ● وفك الارتباط أو فسخ العقد هل بالإمكان حصوله لتغيير الوجهة؟ مثل هذا التعامل كان سابقا من قبيل التنكر للجميل أو حتى خيانة الجمعية ومسؤوليها وتشجيعات محبيها، فاللاعب لا يغادر ناديه إلا بعد 30 أو 32 سنة ويبقى إثرها عامين «مرتاحا» أي بعد «أن يطيب ويصبح حضرة». ● علاقاتك اليوم بالنوادي الأخرى؟ الصلة ظلت قائمة الذات بل ازدادت تدعما ورسوخا بدليل مبادرة العديد من النوادي بدعوتي لتكريمي وكان آخرها مبادرة من النادي الصفاقسي لكن ظروفي الصحية تمنعني أحيانا من التحول والتنقلات، أتوجه بالشكر لجميع المبادرين بذلك. ● وهل بقيت تربطك علاقات مع بعض قدامى اللاعبين خارج سوسة؟ لقد ظلت علاقتي مع الجميع وطيدة.. وأنا شديد الإعجاب وكثير الاحترام لحمادي العقربي ابن صفاقس الذي سيظل شعلة مضيئة على الدوام في درب كرة القدم التونسية. كما تربطني علاقة بالأصدقاء الذين احترمهم كثيرا أمثال طارق ذياب وعبد الحميد الهرقال وخالد بن يحيى وغيرهم إضافة إلى إخوتي القدامى والمحدثين في النجم والساحل عموما وكذلك في كل الفرق التي جمعتني بها وشائج اللعب. ● وما تعليقك بخصوص ترشح منتخبنا لمونديال روسيا؟ هو ترشح مهم لكرة القدم التونسية ولتونس عامة فضلا عن كونه سيناريو عطاء جديد لمنتخبنا بعد إخفاق في المرور دام سنوات.. والمطلوب الآن هو البروز المقنع في الدور الأول لضمان التأهل للدور الثاني، آنذاك يحق لنا الإشادة والافتخار. ● وما هو المطلوب لتحقيق هذا المطمح؟ المدرب نبيل معلول واللاعبون يدركون ذلك جيدا وما على هؤلاء جميعا إلا العمل من أجل تحقيق آمال وأحلام الشعب التونسي. ● كلمة الختام؟ أتوجه بالتحية إلى كل الرياضيين في تونس، وكل من أعطى لكرة القدم التونسية، ومن ضحى بوقته وصحته وأعصابه من أجل فريقه وأقصد بذلك خاصة الأحباء.. فإلى جماهير النجم أحلى الأماني والى كل أحباء الفرق الأخرى تحياتي الصادقة من قلب لطفي الحسومي الذي لا يعرف إلا الحب والاحترام للجميع.