في الوقت الذي اجمع فيه كل المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي بتأزم وضع الدينار التونسي مع تواصل انزلاقه حتى وصل مؤخرا حدود ال3 دنانير مقابل الاورو و2.50 مقابل الدولار الأمريكي، يعتبره البنك المركزي أمرا عاديا ولا يشكل خطورة على الوضع الاقتصادي. حسب ما عبر عنه ممثل البنك المركزي احمد طارشي، في مداخلته بالندوة الصحفية التي نظمها أمس المعهد التونسي للدراسات الإستراتجية بالعاصمة حول « الدينار التونسي» . وبين ممثل البنك المركزي أن لانزلاق الدينار تبعات ايجابية أهمها على صعيد المبادلات التجارية لتونس مع الأسواق الخارجية ودفع قطاع التصدير الذي سيتحسن بمجرد هبوط أسعار منتجاتنا وسلعنا مما سيساهم في ارتفاع الطلب عليها من قبل الخارج، مشيرا إلى أن البنك المركزي لم يعد يعول على تعديل سعر الصرف عن طريق الاستعانة بمدخراتنا من العملة الصعبة منذ مدة بسبب ضعف المخزون الوطني وتراجعه القياسي. حيث بلغ حجم احتياطي البلاد من العملة الصعبة ما يغطي واردات 89 يوما فقط ويعتبر هذا المستوى الأضعف خلال 15 سنة، حسب المؤشرات الأخيرة التي كشفها البنك المركزي. بالمقابل، بدا موقف البنك المركزي من الأزمة التي يشهدها الدينار غير مقنع للحاضرين في الندوة التي جمعت العديد من خبراء في القطاع البنكي وأصحاب مؤسسات اقتصادية وعدد آخر من الفاعلين الاقتصاديين، فقد أبدى المختص في الشأن الاقتصادي معز الجودي استغرابه في تصريح خص به «الصباح» من الخطاب الذي تبناه ممثل البنك المركزي وعدم أخذه لوضع الدينار المتأزم على محمل الجد، فضلا عن عدم اعترافه بوجود صعوبات. وأشار الجودي إلى أن هذا اللقاء سينتج عنه تقرير مفصل عن وضع الدينار والآليات المتاحة لتجاوز الأزمات التي تعرفها عملتنا المحلية، نفي شكل توصيات وحلولا سيتم رفعها مباشرة إلى السلط المعنية الممثلة في الحكومة والبنك المركزي. وحول هذه التوصيات، أفاد الجودي بان أهمها تتمثل في الرفع من الإنتاجية والعمل على إرجاع قيمة العمل مما سيساهم بصفة آلية في خلق وتقوية القدرة التنافسية وخاصة الرفع من نسبة النمو الاقتصادي، فضلا عن ضرورة التسريع في الإصلاحات الاقتصادية من قبيل إصلاح الجباية وإصلاح المؤسسات الاقتصادية مما سينعكس ايجابيا على مناخ الأعمال ويقوي من ثقة المستثمرين. كما أضاف الجودي ل«الصباح» انه من الضروري العمل على إيجاد آليات للتحكم في العجز المزدوج الذي يشكو منه اقتصاد البلاد والمتمثل في عجز الميزان التجاري وميزان الدفوعات من جهة وعجز الميزانية العامة من جهة ثانية عن طريق الترشيد المعمق للواردات وطرح كل الإمكانيات لوضع قائمة سوداء للمواد الموردة. وبين الجودي أن بلادنا أنهت سنة 2017 على عجز قياسي في الميزان التجاري بلغ ال15 مليار دينار وهو ما تسبب في خلق اختلال كبير في كل التوازنات الاقتصادية وهو ما يتطلب حقيقة تدخلا عاجلا في اقرب الآجال. وأشار الجودي إلى أن التقرير شرّك كل الأطراف المتدخلة في المنظومة الاقتصادية عموما وفي سوق الصرف بالخصوص من ذلك حضر العديد من ممثلي المؤسسات الاقتصادية لطرح أهم الصعوبات اللوجستية التي تواجههم في عمليات تصدير منتوجاتهم من اجل رفعها للسلط المعنية. وحول المخاطر الذي مازالت تحوم حول وضعية الدينار التونسي، فقد بين الجودي أن أهمها ارتفاع حجم الديون الخارجية التي سيتم استخلاصها بالعملة الصعبة بعد أن وصل حجم خدمة الدين إلى 7.91 مليار دينار، فضلا عن ارتفاع أسعار المواد الموردة خاصة تلك التي لا يمكن لبلادنا الاستغناء عنها مثل المواد الطاقية والأدوية والحبوب وهو ما سيقودنا إلى التضخم المالي المستورد. إلى جانب مخاطر من نوع آخر تتمثل أساسا في تواصل عزوف المستثمرين الأجانب على تركيز مشاريعهم في بلادنا نظرا لتواصل انزلاق الدينار العملة التي يسجلون بها أرباحهم السنوية.. وبين الجودي أن الدينار باعتباره عاملا من عوامل السيادة الوطنية ومحرار الاقتصاد الوطني، يتطلب وضع آليات وحلول استعجالية من اجل التحكم في انزلاقه المتواصل لمدة سنوات حتى يعرف تراجعا هاما بنسبة تناهز ال62 بالمائة من سنة 2011 إلى غاية موفى 2017 وبمعدل 27 بالمائة انزلاقا من سنة إلى أخرى. وأمام توقف تدخل البنك المركزي في تعديل سعر الدينار منذ مدة على خلفية ضعف المخزون الوطني من العملة الصعبة وعدم توفر آليات وحلول عميقة في الوقت الراهن، يبقى وضع عملتنا المحلية مقلقا بالنظر إلى الأرقام والمؤشرات المحيطة بها في داخل البلاد وفي خارجها.