تشهد تونس، منذ جانفي 2011، تزايدا في حدّة البطالة والهشاشة الإجتماعيّة توازيا مع تدهور جودة المرافق العامة وتراجع الموارد العموميّة مع ارتفاع سقف الإنتظارات وتضخم الطلبات الاجتماعية مما جعل الدولة «الراعية» غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها في توفير هذه الخدمات. هذا، إلى جانب ضعف أداء القطاع الخاص وعدم قدرته على تحقيق أهداف طموحة في مجالي النمو والتشغيل حيث تهيمن المؤسسات الفرديّة على النسيج الاقتصادي: 89 % من المؤسسات لا تنتدب ولو أجيرا واحدا مع طاقة إنتاجيّة ضعيفة وقيمة مضافة متدنيّة. لقد راهنت العديد من الدول على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وبوأته نفس مكانة القطاعين العام والخاص. حيث بلغت مواطن الشغل المحدثة في بلدان الإتحاد الأوروبي 28 مليون أي قرابة 12.9 % من مجموع مواطن الشغل بهذا الفضاء الجغرافي. ويوفر 12 % من الناتج المحلي الإجمالي بفرنسا، %10 بكندا، 6 % في البرازيل و5 % في بلجيكا. وفي بلدان مثل اللوكسمبرج وهولندا تتعدى مواطن الشغل بقطاع الاقتصاد الإجتماعي والتضامني 20 % من مجموع مواطن الشغل. ويمثل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على المستوى العالمي قوّة اقتصاديّة واجتماعيّة كبرى حيث يحتل المركز السادس عالميا من حيث القيمة المضافة وذلك بعد الولاياتالمتحدة واليابان والصين وألمانيا وفرنسا. ففي سنة 2015 تمكنت ال300 تعاضدية وتعاونيّة الأوائل في العالم من تحقيق رقم معاملات بلغ حوالي 2500 مليار دولار. كما مكّن القطاع التعاضدي من إحداث 250 مليون موطن شغل. وتمثل مواطن الشغل هذه حوالي 12 % من مجمل مواطن الشغل المتوفّرة ببلدان مجموعة العشرين. وفي تونس بات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني خيارا إستراتيجيا نصت عليه مجموعة من الوثائق المرجعية للسياسات العمومية حيث أكد العقد الاجتماعي الممضى بين أطراف الإنتاج الثلاث سنة 2013 ومخطط التنمية 2016-2020 ووثيقة قرطاج الممضاة سنة 2016 على ضرورة تركيزه وتطويره كرافد ثالث للاقتصاد الوطني إلى جانب القطاع العام والقطاع الخاص. وقد بادر الاتحاد العام التونسي للشغل بإنجاز أول وثيقة تتمثل في مشروع قانون أساسي حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كما أنجزت الحكومة )وزارة التنمية( دراسة إستراتيجية حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس، هي الأولى من نوعها في تونس وبدعم من برنامج الأممالمتحدة الإنمائي وقد عرضت خلال ندوة وطنية تحت إشراف رئيس الحكومة يوم 5 جويلية 2017 وبمشاركة الأطراف الاجتماعية. عم نتحدث تحديدا ؟ يتكون هذا القطاع من مؤسسات اقتصادية تشارك بشكل مباشر في انتاج السلع والخدمات وقادرة على خلق الثروة والتشغيل والتأقلم مع المخاطر الاقتصادية. إلاّ أن هدفها المحوري والذي بعثت من أجله هو تحقيق فائدة اجتماعية. إذ خلافا للنظريّة الكلاسيكية للمؤسسة الاقتصادية الخاصّة، لا يمثل الربح في مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هدفا في حدّ ذاته، بل وسيلة لتحقيق فائدة اجتماعية. بهذا المعنى، يتكون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس من جميع الأنشطة الاقتصادية في مجالات الإنتاج والتحويل والتوزيع وتبادل المنتوجات والخدمات واستهلاكها والتي تقوم بها التعاضديات والتعاونيات والجمعيات وكلّ ذات معنوية خاصة تمتثل للمعايير المتلازمة التالية: 1 - أولويّة الإنسان والمنفعة الاجتماعية على رأس المال 2 - حريّة الانضمام و الانسحاب 3 - الاستقلالية تجاه السلط العموميّة 4 - قواعد تسيير قائمة على الاستقلالية والشفافيّة والديمقراطيّة ترتكز على مبدأ «شخص واحد-صوت واحد» 5 - ربحيّة محدودة وفق القواعد الثلاث التالية : توزيع محدود للمرابيح – إعادة استثمار الجزء الأكبر من المرابيح الصافية بهدف الحفاظ على استمرارية المؤسسة أو تطويرها – احتياطيات مالية وجوبية غير قابلة للقسمة. 6 - احترام جملة من القيم : التضامن صلب المؤسسة و تجاه المجتمع – المساواة - المواطنة - العدالة – التمساك الإجتماعي – الإنصاف – تقاسم المسؤوليّة الفرديّة و الإجتماعيّة. يتكوّن نسيج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس من ثلاث مجموعات كبرى من المؤسسات تمثل العمود الفقري للقطاع وهي التعاضديات والتعاونيات وجزءا من الجمعيات. وتضم كل مجموعة أصناف خصوصية. بالنسبة للتعاضديات، يحتوي القانون التونسي على قواعد مشتركة وردت بالقانون الأساسي العام للتعاضد لسنة 1967 ونظامان خصوصيان في القطاع الفلاحي وهما الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي والشركات التعاونيّة للخدمات الفلاحيّة. أما الجمعيات فإنها تضم جانبا من الجمعيات الخاضعة للأحكام المشتركة الواردة بمرسوم 2011 وتلك الخاضعة لأحكام خصوصيّة على غرار مؤسسات التمويل الصغير ومجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصيد البحري. ويتخذ الصنف الثالث وهو التعاونيات شكلين: التعاونيات الخاضعة للأمر الصادر سنة 1954 وشركات التأمين التعاوني. والجدير بالذكر أن المبرّات les fondations غير موجودة في المنظومة القانونية التونسية. وتمثل التعاضديات الكيان الاقتصادي والقانوني الأكثر تعبيرا عن الإقتصاد الإجتماعي والتضامني. حيث يخول لمجموعة من الأشخاص المتعاضدين إحداث منظومة إقتصادية واجتماعية متكاملة قادرة على تلبية مجمل الحاجيات الحياتية: أنشطة إنتاج وتوفير خدمات واقتسام مرابيح بين المنخرطين وإحداث بنوك تعاضدية وتوفير خدمات تتصل بالحماية الإجتماعيّة والثقافيّة و التربية والتعليم والصحّة والنقل... تتخذ مؤسسة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وجوبا شكل ذات معنوية خاصة يُحدثها مجموعة من الأشخاص تلتقي حول مصلحة مشتركة. وهو ما يجعلنا نستبعد ثلاث أصناف من المؤسسات عن دائرة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني : الشخص الطبيعي والمؤسسة الفرديّة )حتى وإن كانت شخصا معنويا(، المؤسّسة غير المهيكلة وأشخاص القانون العام كالمؤسسات العمومية. (*) أستاذ جامعي في القانون العام خبير في التخطيط الاستراتيجي للسياسات العمومية «يتبع»