صدقت نيكي هايلي سفيرة واشنطن لدى الأممالمتحدة عندما اعتبرت أن السماء لا تزال في مكانها وأنها لم تنطبق على الأرض بعد إعلان الادارة الأمريكية قرارها نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدسالمحتلة... والارجح أن كل قرارات الادارات الامريكية مهما بلغت من الظلم والاسفاف والابتزاز والاستهزاء بالقوانين الدولية لن تغير موقع السماء ولا موقع الأرض.. ومن شأن ذلك على الأقل أن يذكرنا بأن هناك أشياء ثابتة في العالم لا يمكن لأي إدارة أمريكية مهما بلغت قوتها أن تغيرها في الطبيعة.. ولكن الاكيد وقبل العودة الى الدوافع التي عجلت بإعلان ترامب قراره نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس أنه ما كان للرئيس الامريكي الحالي أن يقدم على ذلك بدون ضوء أخضر من عواصم عربية غنية بنفطها تخشى توقف الحماية الامريكية لحكمها ونفوذها وهي من ستجد نفسها مضطرة للخضوع للابتزاز الامريكي ومواصلة ضخ الأموال الى أجل غير مسمى .. في غضون ثلاثة أشهر، سيكون الرئيس الامريكي دونالد ترامب على رأس الوفد الامريكي لتدشين سفارة بلاده في القدسالمحتلة... الطبخة تعد على نار هادئة والسيناريو قريب من نهايته، والارجح أن هدية الرئيس الامريكي التاريخية لإسرائيل في الذكرى السبعين لنشأتها من رحم الاممالمتحدة والعدالة الدولية التي يدوس عليها، لن تكون نهاية المطاف .. وقد وجب الانتباه إلى أن مثل هذه القرارات والهدايا قد تتضاعف وستسير على وتيرة التقدم الحاصل في التحقيقات التي يقودها ال»آف بي آي» بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.. وكلما توصل المحقق روبيرت مولر الى أدلة جديدة في هذا الشأن سيستمر ترامب في تسجيل تغريداته الصادمة التي ينشرها على تويتر.. فسياسته الاتصالية باتت واضحة وهو يعتمد الهجوم للدفاع عن النفس، تماما كما فعل عندما وصف دولا إفريقية بالقاذورات.. وترامب لن يتحرج من اتهامات العفو الدولية له بالعنصرية، بل سيجعل من هذا التصنيف سلاحه لتلميع صورته لدى الرأي العام الأمريكي... وجب الاعتراف بأن قرار ترامب الاخير بشأن موعد نقل السفارة الامريكية لا يشكل بأي حال من الأحوال مفاجأة، وقد مرت الصدمة الاولى منذ ديسمبر الماضي عندما كشف عن جزء من صفقة القرن .. وبالأمس واصلت ادارته الكشف عن بقية من صفقة لم تكتمل بعد بإعلانها عن الهدية التاريخية التي ستكافئ بها شريكها وحليفها ناتنياهو.. ممول المشروع أيضا جاهز وهو رجل الاعمال اليهودي الامريكي شلدون أدلسون حليف ناتنياهو .. والحقيقة أن هدية ترامب تحتمل أكثر من قراءة، فهي أيضا تحذير مباشر لما هو قادم وعقاب مباشر للرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي تجاهل السفير الاسرائيلي والسفيرة الامريكية في مجلس الامن الدولي قبل يومين وخرج بمجرد الانتهاء من القاء خطابه أمام المجلس، وهو ما لم تقبل به السفيرة الامريكية حتى وإن تظاهرت بالعكس... واستحق محمود عباس بذلك صفعة جديدة تدعوه للانضباط وتذكره بقوة وغطرسة المارد الامريكي والاسرائيلي وما يمكن أن يؤول اليه مصيره من عزل أو حصار أو انهاء لمهمته على طريقة أبو عمار .. أما الرسالة الثانية وهي لا تقل أهمية عما سبق، فتتعلق بحرص الرئيس الامريكي على انقاذ ناتنياهو من قضايا الفساد التي تحاصره وتحويل أنظار الرأي العام الاسرائيلي عن الفضائح المالية التي تورط فيها، دون نسيان الرسالة الثالثة والمتعلقة بالرئيس ترامب نفسه، الذي يواجه بدوره عاصفة من الاتهامات بشأن التدخل الروسي في الحملة الانتخابية الرئاسية، والذي ما انفك يسجل استقالات عدد من مستشاريه ومساعديه السابقين في البيت الابيض وحتى في الاستخبارات الامريكية درءا لكشف الحقائق التي يمكن أن تشكل مصدر حرج كبير للرئيس له ولطموحاته في انهاء ولايته الاولى والفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض.. ترامب عرف كيف يستفيد من التناحر الحاصل بين الدول العربية وحالة الاستنزاف والتدمير الذاتي الذي تسير اليه بثبات، ولكن - وهذا الاهم - عرف أيضا كيف يدفع روسيا الى التورط أكثر في سوريا.. بل هو يؤكد على عكس كل المتدخلين في المشهد الراهن في الشرق الاوسط أن له هدفا واضحا حتى وإن عارضه العالم كله... نعم لم تنطبق السماء على الارض بعد قرار ترامب، ولكن توشك الارض أن تشتعل بما فيها بسبب ترامب..