لا شك أن الاستقرار السياسي لا يقل أهمية بالنسبة لأي بلد عن الاستقرار الأمني فهما شرطان متلازمان لكل دولة يهمها تركيز مقومات الإنتاج وتحقيق الرفاهية لشعبها، ونفس الأمر مطلوب في تونس خاصة أن ظرف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يحتم وجود الاستقرار السياسي أملا في تسجيل خطوات إيجابية نحو الحلول الناجعة. وإذ نعيش هذه الأيام إرهاصات أزمة سياسية بعد السيل من التصريحات حول أداء الحكومة والمطالبة بإجراء تحويرات عليها أو تعويضها بحكومة أخرى، لا يبدو أننا تخلصنا من "دورية" التحويرات أو تشكيل حكومات جديدة وهو ما صبغ السنوات السبع الماضية حيث لم تنجح أية حكومة في تجاوز عتبة العامين. وبما أن مصير حكومة الوحدة الوطنية يظل رهين توافقات الموقعين على "وثيقة قرطاج" أحزابا ومنظمات أو تحدده الاستجابة لمطالب هؤلاء، لا يمكن توقع استقرار سياسي ما لم يتم حسم الجدل حول الحكومة الحالية أخذا بعين الاعتبار تصريحات كل من الأمين العام لاتحاد الشغل ورئيس منظمة الأعراف، ذلك أن كليهما، وحتى بعد اجتماع الموقعين، مازالا يلمحان إلى ضرورة التعويل على بدائل سواء فيما يتعلق برئيس الحكومة أو الوزراء. وفي انتظار ما ستقدمه اللجنة المنبثقة عن الاجتماع من اقتراحات وتصورات ذات العلاقة بالوضع الاقتصادي وبتقييم أداء الحكومة تبقى مسألة الاستقرار السياسي مخيمة على الأجواء العامة فيما الأوضاع في قطاعات هامة غير مستقرة مثل ما هو شأن التعليم الثانوي والتعليم العالي دون إغفال القضايا المعلقة في الحوض المنجمي والكامور. هذا جانب من الصورة أما بقيتها فتكمن في تهاوي الدينار وتناقص الرصيد من العملة الصعبة إضافة إلى الترقيم الأخير ل"موديز" وقبله القائمات السوداء، فيما نتطلع إلى موسم سياحي ناجح وانتظار استثمارات تكون في حجم التطلعات من زاوية التشغيل والجدوى الاقتصادية. إنها صورة لا تليق ببلد نجح في أعسر امتحان ألا وهو الانتقال الديمقراطي ويستعد لتنظيم أول انتخابات بلدية حرة وندرك كتونسيين أننا قادرون على العمل والإنتاج والإصلاح متى توفرت الإرادات السياسية والفردية لتجسيد كل ذلك. ولا بد من القول إن كل الحكومات السابقة حتى وإن كانت برامجها منطقية أخطأت بعدم كسب ثقة المواطن التونسي وثقة المستثمرين سواء من خلال المناخ السياسي الذي أفرزته حولها ومحوره الجدل والأخذ والرد وارتعاش الأيادي أو من خلال تهاونها في تحصين البلاد من ظواهر مخربة للاقتصاد وللمجتمع في حد ذاته مثل التهريب والفساد. ومهما كانت توصيات لجنة الموقعين على وثيقة قرطاج فإن عنوان المرحلة المقبلة يجب أن يكون تحت عنوان "كسب الثقة" في الداخل والخارج، أما عدا ذلك فسيكون إعادة إنتاج الفشل.