تحتفل تونس اليوم بالذكرى 62 لعيد الاستقلال، هذه المناسبة الوطنية العزيزة التي يفترض أن يستحضر فيها التونسيون والتونسيات نضالات أبناء وبنات وشهداء هذا الوطن في مواجهة قوى الاستعمار وتضحياتهم في سبيل استعادة الحرية والكرامة والسيادة الوطنية، وأن يتباهوا بما تم تحقيقه من مكاسب وإنجازات في مختلف المجالات في دولة الاستقلال. مناسبة عزيزة لا يبدو لسوء الحظ أنها ستحظى هذه السنة أيضا باهتمام كبير من طرف المواطنين والمواطنات الذين افتقدوا شهية الاحتفال بها كما بمختلف المناسبات الوطنية الأخرى، نتيجة المصاعب المتفاقمة الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية المتردية أكثر فأكثر كل يوم منذ الثورة على نظام حكم المخلوع بن علي... وهي مصاعب لا بد من القول إنه تسود قناعة لدى التونسيين والتونسيات بأنها لا تعود إلى قلة الموارد بقدر ما تعود إلى فشل السياسات المنتهجة من كافة الحكومات التي تعاقبت على السلطة على امتداد السنوات التي أعقبت الثورة. هذه السياسات التي بات هناك إجماع لدى التونسيين والتونسيات على أنها افتقرت جميعها إلى الجرأة الكافية للقيام بالإصلاحات المطلوبة التي من شأنها إعادة التوازن إلى موارد الدولة إما لحسابات حزبية ضيقة، وإما خشية الدخول في مواجهة مباشرة مع الأطراف واللوبيات المتنفذة التي أضرت باقتصاديات بلادنا وكانت وراء ما تشكوه من علل ومصاعب في مختلف المجالات. سياسات افتقرت إلى الجدية في التعاطي مع الآفات المستجدة من فساد ومحسوبية وإهدار للمال العام، رغم عدم إنكار قيام الحكومة الحالية بخطوات على الطريق الصحيح في هذا المجال، بيد أنها خطوات بدت للمواطنين العاديين محدودة وبطيئة إلى درجة لم يتلمسوها ولم يروا بعد انعكاسا مباشرا لها إن على مستوى تحسين المالية العمومية أو على مستوى الإنجاز الحكومي لصالحهم. نعم، التونسيون يريدون الاحتفال بعيد استقلال بلادهم من ربقة الاستعمار الفرنسي والذي سمح لهم باستعادة السيادة الوطنية وبناء الدولة الحديثة... الكل يدرك أهمية هذا الإنجاز التاريخي وأهمية التضحيات التي قدمها الأجداد والآباء، ولكن في ذات الوقت يريد رؤية تكريس هذا الاستقلال فعليا وعمليا في اتخاذ القرارات الوطنية الجريئة التي تعيد للدولة هيبتها وسطوتها.. القرارات التي تعطي الأولوية لتطبيق القانون بعيدا عن أية حسابات أخرى وبمعزل عن الجهة التي سينفذ عليها... حينها سيكون للاحتفال معناه الكامل...