أحيت بلادنا اليوم الذكرى السابعة والخمسين لعيد الاستقلال الذي يعتبر منعرجا مفصليا في تاريخ الدولة التونسية الحديثة وهي ذكرى يستعرض فيها التونسيون كفاح آبائهم وأجدادهم ضد المستعمر الفرنسي ولكن ما لوحظ هو خفوت وهج الاحتفال بذكرى 20 مارس 1956 منذ اندلاع الثورة وغياب المظاهر والطقوس الاحتفالية وخاصة في العاصمة وتحديدا في شارع بورقيبة مما فسره البعض بمحاولة اطراف معينة تقزيم المناسبة وسعي الى ضرب المكاسب الوطنية والذاكرة الجماعية لغاية تغيير نمط وثقافة المجتمع التونسي في حين علّل ذلك آخرون بمحاولة البعض تأويل التاريخ حسب مواقفهم وأهواءهم الذاتية فيما ذهب آخرون الى ان سبب غياب مظاهر الاحتفال بذكرى 20 مارس هو الاحباط الذي اصبح يشعر به التونسيون من حكومة لا تهتم بإحياء الاعياد الوطنية وخيبتهم مما انتظروه من الثورة الى جانب انشغالهم بصعوبة العيش وتأزم الوضع العام بالبلاد. «التونسية» طرحت الموضوع على نخبة من وجوه السياسة فكانت اجاباتهم كالآتي. تاريخ البلاد لا يهمهم عبد العزيز العياري قيادي حزب «الوطد» و«الجبهة الشعبية» قال ان يوم 20 مارس ذكرى وطنية تهم حزب الوطنيين الموحد والجبهة الشعبية وتهم كل التونسيين لأنها ورغم وجود بعض المآخذ فإن فترة ما بعد الإستقلال حققت عديد الايجابيات كإرساء مدنية الدولة الحديثة ومجانية التعليم والصحة وحرية المرأة وغيرها مضيفا ان حزب «الوطد» و«الجبهة الشعبية» لم يحتفلا هذه السنة بذكرى الاستقلال لانشغالهما بتنظيم اربعينية الشهيد شكري بلعيد. وقال العياري «هناك بعض الاطراف تدعو الى تهميش ذكرى الاستقلال لان تاريخ البلاد لا يهمهم وهم انفسهم ليس لهم تاريخ بل فقط يتآمرون على تونس مع قوى اجنبية ويسعون الى كتابة تاريخ جديد ذي نزعة استئصالية للنمط المجتمعي التونسي وطريقة عيش التونسيين وثقافتهم» حسب تعبيره ملاحظا انه ليس غريبا على هذه الاطراف انكار ما قدمه الشعب من تضحيات وكفاح وشهداء من اجل الاستقلال. من جهة اخرى فسر قيادي «الوطد» و«الجبهة الشعبية» ضعف مستوى الطقوس والشعائر الاحتفالية بذكرى الاستقلال «بشعور التونسيين بالإحباط من حكومة لا تحتفل بهذا اليوم ولا تؤمن بتاريخ شعبها ولا تعترف بنضالاته ضد المستعمر» مضيفا ان الشعب التونسي عندما قاوم الاستعمار لم يفعل ذلك من اجل عيون الحزب الدستوري بل من اجل تحرر واستقلال تونس على حد قوله. المتألمون على المستعمر من جهته أشار لزهر العكرمي الى ان المتألمين على نهاية الاستعمار الفرنسي هم من لا يحتفلون بذكرى الاستقلال اومن يدعون الى عدم الاحتفال بها مبينا ان هؤلاء لم ينفصلوا بعد عن الفكر الاستعماري ولا يعتبرون ان يوم 20 مارس 1956 وبعد مرحلة بناء الدولة وبناء المكاسب الوطنية هو مناسبة لبناء الديمقراطية ملاحظا ان من يريد فهم واستيعاب مبادئ الديمقراطية ومن يريد معرفة تاريخ تونس قبل العشرين من مارس 1956 مطالب بفهم رمزية ودلالات ومعاني حدث الاستقلال على حد تعبيره. وأضاف العكرمي ان من يسعى الى تهميش ذكرى الاستقلال الغالية على كل التونسيين هو «غالط في التقييم وغالط في حق البلاد» ويسعى الى تصفية حسابات شخصية وقعت في الماضي ولا ينظر الى المستقبل على حد تعبيره مشيرا الى ان استقلال تونس عن المستعمر الفرنسي خلق نمطا مجتمعيا تونسيا لا يروق لهؤلاء لانهم يحملون الاستقلال مسؤولية مدنية الدولة ومسؤولية الحداثة وكل المكاسب التي تحققت للتونسيين بناء على هذا التاريخ على حد قوله. احتفال بالدولة محمد براهمي رئيس «حركة الشعب» افاد من جانبه ان يوم 20 مارس 1956 محطة مفصلية في تاريخ تونس بصرف النظر عن نقاط الاتفاق او الاختلاف مع الزعيم الحبيب بورقيبة مشددا على ان هذا التاريخ صنعه التونسيون بدمائهم وتضحياتهم الجسام مضيفا ان الاحتفال بهذه الذكرى هو احتفال بالدولة التونسية وبمدنيتها وحداثتها وان الرؤساء الثلاث مسؤولون عن حماية هذه الدولة على حد قوله. وأكد براهمي ان من يسعى الى تفكيك الدولة لصالح الفراغ او لصالح مشاريع تهدد النسيج الوطني والسلم الاجتماعية يجانب الصواب ويرتكب اخطاء جسيمة لان التاريخ لا يؤول بحسب المواقف الشخصية. رفض الإحتفال خطر من جهته قال جلال بوزيد ممثّلا عن «التكتّل من أجل العمل والحريات» إنّه لا يمكن التشكيك في تاريخ استقلال تونس وما يحمله من معان لكنّه أشار إلى انّ النقائص تكرّست بعيد الاستقلال والمتمثّلة في عدم ممارسة الشعب لسيادته التي مكّنه منها دستور 1959. وأضاف بوزيد انّ الخلل يكمن في دستور 1959 الذي لم يرتق إلى مستوى انتظارات الشعب التونسي وانّه كان أجدى بالرافضين والداعين إلى عدم الإحتفال بعيد الاستقلال التطرق إلى مستوى الخلل وإصلاحه دون المسّ من تاريخ تونس. وأشار بوزيد إلى انّ الحريّة اليوم أصبحت متاحة للجميع وانّ كلّ شخص حرّ في التعبير عن آرائه ممّا صنع نوعا من الضبابيّة لكنّه عبّر عن أسفه لصدور مثل هذه القرارات من قبل أطراف سياسيّة تدافع عن الوطنيّة ليتسائل عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء ذلك ويربطه باحتمالين إمّا عدم قراءة التاريخ جيّدا من قبل هؤلاء أو لنبذهم بورقيبة وسياسته. وقال بوزيد إنّه لا احد يخفي أنّ تاريخ تونس مرتبط بالزعيم بورقيبة وانّه من حدّد ملامح الدولة الحديثة قائلا: «لن ننسى أنّ له إخلالات في تكريس سيادة الشعب لكنّه أسس الدولة الحديثة» مضيفا «النمط المجتمعي من الركائز التي بناها بورقيبة». وعن تغييب مظاهر الاحتفال والزينة في ذكرى الإستقلال أكّد بوزيد أنّها ليست المرّة الأولى التي تمارس فيها مثل هذه الممارسات وانّ حزب «التكتّل» كان قد أدان ذلك في ذكرى الإحتفال بعيد الجمهوريّة معتبرا أنّه في ارتباط ذلك برفض أشخاص معيّنين يعتبر خطرا لا يقبل به مشيرا إلى انّه لا بدّ من التصدّي لمثل هذه الممارسات بالرغم من المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد. خلط بين الدولة وبورقيبة أمّا عبد الجليل البدوي ممثلا عن «المسار» فقد قال إنّ التناقضات المتباينة في مواقف التونسيين بين داعين للإحتفال بذكرى الإستقلال وبين رافضين له تدلّ على ضرورة الحرص على إعادة قراءة تاريخ تونس الذي يعكس في كلّ محطّاته وعي ونضج التونسي والطبقة السياسية التي مسكت البلاد في فترة معيّنة مضيفا انّ ذلك يعكس موازين قوى داخليّة وخارجيّة على حدّ تعبيره. وأضاف البدوي أنّه رغم تباين الآراء والمواقف التي أبداها البعض من مسألة الإحتفال بذكرى الإستقلال فإنّه لا بدّ من عدم القفز على مثل هذه المحطّات مشيرا إلى انّ رفض الإحتفال بذكرى الإستقلال فيه خلط بين واقع موضوعيّ للمجتمع التونسي وبين أشخاص رافضين لهم كالزعيم بورقيبة. وأكّد البدوي أنّه يأسف لمثل المواقف التي تدلّ على «تخلّف» أصحابها لأنّه وإن غاب عن تلك الفترة التحرّك الإقتصادي والإجتماعي فإنّه لا يمكن طمس تاريخ تونس في تلك الفترة واعتبار أنّها غير موجودة لمجرّد ارتباطها بشخص معيّن مضيفا انّ لا بدّ من محاولة الإستفادة من نقائص تلك الفترة وتعويضها بالأفضل مؤكّدا على ضرورة الوعي بأنّ النقائص وموازين القوى ليست مستمدّة من شخص بورقيبة وانّ عليهم التفرقة بين الشخص والدولة. لا لشطب التاريخ وإنكار المكاسب وقال المولدي الفاهم عضو المكتب السياسي ل «الحزب الجمهوري» انّ حدوث الثورة لا يعني القطيعة مع ذاكرتنا وتاريخنا خاصّة أنّ المناسبات هي أحداث وطنيّة ليست خاصّة بحزب معيّن مضيفا أنه لا يمكن التشكيك في مسألة استقلال تونس ولا يمكن شطب التاريخ. وأضاف الفاهم إنّه لا يمكن إنكار ما قدّمه التونسيون لبلادهم في تلك الفترة من شهداء ومن دماء وانّ ذكرى الإحتفال بالإستقلال هي تكريم لهؤلاء وأنه لا يمكن نكرانها مشيرا إلى أنّ معارضة بورقيبة والمطالبة بإصلاحات لا تعني نكران ما قدّمه من تضحيات ومن مكاسب للبلاد تحسب له لا عليه على غرار الصحّة والتعليم ومكاسب المرأة التي تفتقدها اغلب دول العالم مضيفا انّ الموقف من بورقيبة وبعض المسائل الإيديولوجية لا ينقص من أهميّة المحطات الوطنيّة. ودعا الفاهم «الترويكا» الحاكمة إلى احترام مشاعر التونسيين وعدم الدعوة إلى رفض الإحتفال بمكاسب وطنيّة «نحترمها ونحيّيها» مضيفا أنّها ليست مسألة تصفية حسابات مع الخصوم وانّ التاريخ يتجاوز الحقبات والأنظمة والشخصيات ليعبّر عن أسفه للدعوات الرافضة للاحتفال قائلا: «لا نختلف حول تاريخ الشعب الذي هو ليس بورقيبة أو بن علي». سنيا برينصي وليلى بن إبراهيم