يعود عرض «فلاقة» في نسخته الثانية لإمتاع جمهور الموسيقى في تونس وكان اللقاء ليلة الأربعاء المنقضي في المسرح البلدي مع الفنان نصر الدين الشبلي وفريقه، مبهرا ومجددا.. عودة هذا العمل كانت موفقة وكم نحن في حاجة إلى مثل هذه العروض الفنية القادمة من عمق تاريخنا والمتجذرة في أرض لم تعرف الخضوع ولم ترض به مصيرا خاصة في ظل ما نشاهده مؤخرا من استخفاف بتاريخنا وحضارتنا واستسهال للعمل الثقافي والبحث عن كل ما يشدنا للغرب.. في «فلاقة» تئن الإيقاعات وتلتقى في صرخة رافضة لسيطرة الآخر واحتلاله، يعود بنا نصر الدين الشبلي لعوالم تناساها كثيرون. فالفن والموسيقى والشعر الشعبي شكلت هويتنا.. مع إيقاعات الطبلة والدربوكة والبندير وتمازجها مع القيتار رسالة عن شعوب ناضلت وكسبت رهان الحرية. فموسيقنا التونسية لم تتخل يوما عن إيقاعاتها ورافقت الطبلة أفراحنا وأحزاننا كما كان القيتار رفيقا لليالي الفرح والبؤس لشعوب أخرى.. هي الموسيقى في كونيتها أداة للتعبير عن ذواتنا.. هي الروح الحرة المتمردة، هي اللقاء رغم الاختلاف، هي التمازج دون فقدان الذات.. عرض «فلاقة» في نسخته الثانية حضره جمهور كبير واستمتع بهذا الكم من الفن المجدد والجاد في خياراته فاستطاع نصر الدين شبلي بحرفيته تقديم المغاير في عرض الأربعاء بالمسرح البلدي، كرم رفيق الدرب الراحل خلدون بن صالح وأدى لأول مرة أغنية «رقاصيت»، وأدار مجموعة من أمهر العازفين في أجواء تحمل الكثير من التفاصيل الإبداعية والتميز الركحي على مستوى الإضاءة والديكور مع مضمون يستحق الثناء، استهله الشاعر الشعبي الضو حداد، ثم الشاعر بلقاسم عبد اللطيف لتكون الإطلالة الغنائية الأولى من نصيب الموهبة محمود الحبيب، ثم الفنان الشعبي المتألق والمتمكن من فنه محمد العايدي. سهرة «فلاقة» في نسختها الثانية أجادت تقديم أغان تراثية وإعادة توزيعها ونبشت جيدا في ذاكرتنا الشعبية لتقدم على إيقاعات راقصة وتفاعل لافت من جمهور المسرح البلدي، أغان على غرار «الفارس»، «القلب»، «الصبر ما نفعني»،»مليان عندي القلب»، «البارود»، «رقاصيت»، «إنت مزرقي» و»راني فاني».