تشكو جل القطاعات في تونس من صعوبات اقتصادية أفرزت استمرار الاحتجاجات وعدم توصل المفاوضات بين النقابات والمؤسسات الحكومية إلى حلول ترضي جميع الأطراف فتارة يخمد نسبيا احتجاج قطاع، تتعمق خلافات قطاع آخر لتكون بداية سنة 2018 أكثر مشقة من السنوات السابقة خاصة وأن تواصل المفاوضات دون بوادر انفراج كان له تأثيره على تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي. فارتفاع وتيرة الاحتجاج في تونس انعكس على أكثر من مجال ومنطقة ومع مختلف الفئات والشرائح العمرية في بلادنا فنقابة التعليم تواصل رفضها للحلول المقترحة من الطرف الحكومي فيما تعرف طلبات مهنيو جامعة النقل الخاص عرقلة من قبل الوزارات المعنية لهذا الملف وتظل إشكالية الزيادة في الأجور وتفاقم البطالة وضعف التنمية في عدد من مناطق البلاد على غرار احتجاجات تطاوين، من بين أهم الملفات الحارقة المتسببة في ارتفاع وتيرة الاحتجاجات. وفي هذا السياق، كشف مؤخرا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن أرقام تعكس تطور حجم الاحتجاجات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة والذي بلغ 136.63 بالمائة حيث ارتفع من سنة 2015 إلى 2016 بنسبة 97.31 بالمائة ثم ب19.96 في السنة الموالية وذلك بعدد احتجاجات تقدر ب 10452 احتجاجا رصدها المرصد الاجتماعي التونسي. من جهتها، تحدثت «جون أفريك» الفرنسية في أحد تقاريرها الأخيرة عن إمكانية أن يؤدي ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في تونس إلى اضطرابات أعمق خاصة مع تواصل وجود الأسباب ذاتها المتسببة في الاضطرابات الاجتماعية ثم ثورة 2011 متسائلة إذ كان تفاقم البطالة وفشل الحكومات المتعاقبة في حل أزمات البلاد الاقتصادية سيكون دافعا لتأجيج الوضع والذي قد يؤدي إلى»ربيع عربي جديد أكثر عنفا» حسب التقرير نفسه ل «جون أفريك». «الصباح الأسبوعي» بدورها فتحت بابا للنقاش حول حدة الاحتجاجات وأسبابها ومدى تأثيرها على المقدرة الشرائية للمواطن ووضعه الاقتصادي والاجتماعي في الورقة التالية: المسالك الموازية وراء تدهور المقدرة الشرائية أكد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله أن التونسيين على وعي تام بصعوبة سنة 2018 خاصة بعد تصريحات عدد من أعضاء الحكومة ومنذ الاعلان عن الميزانية المخصصة لهذه السنة مشيرا إلى أن الضغوطات على المواطن تضاعفت مع الاعلان عن الزيادة في أسعار البنزين والوقود التي ستؤدي بالضرورة إلى زيادات في مواد أخرى وإلى تدهور أكبر للمقدرة الشرائية. وشدد محدثنا على أن ارتفاع الأسعار ليس السبب الرئيسي في تدهور المقدرة الشرائية وإنمّا الفوضى التي تعيشها البلاد قائلا : «حذرت منظمة الدفاع على المستهلك في أكثر من مناسبة من خطورة مسالك التوزيع الموازية والمضاربة وغياب الضوابط التي تعتبر العامل الأساسي وراء الارتفاع المتواصل للأسعار فاليوم المواطنون ينددون بغلاء أسعار الأسماك على سبيل الذكر فكيف لا ترتفع إذ كانت سوق الجملة لا تتحصل إلا على 20 طنا من الأسماك فيما توزع بقية الكمية وتقدر ب 100 طن عن طريق المسالك الموازية و في ميناء جرجيس تقدر «crevette» ب40 دينارا ويصل ثمنها عبر المسالك الموازية إلى140 دينارا فيما يقدر سعر الكلغ من اللحوم الحمراء ب28 دينارا ويهرب كل القطيع تقريبا إلى الجزائر.» وأضاف سليم سعد الله أن هذه الفوضى ستكون لها انعكاسات كبيرة على الطبقة الضعيفة موضحا أن الطبقة المتوسطة غير قادرة على تأمين كل متطلباتها فكيف سيكون حال الطبقة الأضعف. وأشار رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك إلى أن الهيكل، الذي يمثله يقوم حاليا بحملات مكثفة استعدادا لشهر رمضان والمراقبة على أشدها خاصة وأن الأسعار قابلة للارتفاع تأثرا بارتفاع أسعار المحروقات. الخبير الاقتصادي الصادق جبنون: الهيكلة الحالية للاقتصاد التونسي لا يمكنها تحقيق الرقي الاجتماعي كشف الاستشاري في استراتجيات التنمية والاستثمار الصادق جبنون ل»الصباح الأسبوعي» أن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في تونس سببها أعمق من الترفيع المتواصل في الأسعار وانه يعود أساسا إلى الهيكلة الحالية للاقتصاد التونسي، فهي غير قادرة على توفير الرفاهة الاجتماعية وجودة الحياة، اللتين يطمح إليهما المواطن التونسي ففي ظل المسافة القليلة التي تفصل تونس عن الاتحاد الأوروبي، ثاني أهم مجال اقتصادي في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية ومع انفتاح المجتمع التونسي على الضفة الأخرى من المتوسط يفرض سقف طموحات عاليا لا يتماشى وهيكلة الاقتصاد التونسي على غرار ما يحدث مؤخرا مع عدد من الدول بأمريكا اللاتينية واليونان. وأضاف محدثنا أن هذه الصعوبات الاقتصادية انعكست على المجتمع من خلال تفاقم ظاهرة البطالة والفقر والتهميش وخاصة تعطل المصعد الاجتماعي بين مختلف الطبقات والجهات التونسية والدليل على ذلك أن أكثر شريحة متأُثرة بالبطالة هي أصحاب الشهائد العليا (260 ألف عاطل.) وأوضح الاستشاري في استراتجيات التنمية والاستثمار الصادق جبنون أن الدولة لم تتمكن في السنوات الأخيرة (بعد 2011) من تغطية الحاجيات العمومية والمحافظة على المستوى المعتمد للبطالة وهو 5 بالمائة خاصة مع تتالي الاضطرابات والاحتجاجات الاجتماعية وانحصار قيمة العمل ومن ثمة المرور إلى إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي عبر صندوق النقد الدولي وهذه الوضعية في حد ذاتها نمطية وتقليدية تسعى إلى تحقيق التوازن في المالية العمومية المحاطة بالبيروقراطية ممّا تسبب في تقهقر في المؤشرات الدولية على غرار مؤشر ممارسة الأعمال dowing buissines وخاصة مؤشر الحريات الاقتصادية الصادر عن «هيرتيدج فاونديشن» اللذين يعكسان صعوبة الانتقال الاقتصادي بعد سنة 2011 فنسبة النمو ضعيفة (1.9 بالمائة) بينما التوازن في حده الأدنى ومع غياب توزيع عادل للثروات لا يحقق طموح كل اقتصاد نجاحا وهو الرقي الاجتماعي.