مهما كانت تأكيدات الجيش الروسي بأن الضربات الصاروخية التي استهدفت سوريا لم تسفر عن ضحايا بين المدنيين والعسكريين فإن الأمر يتعلق بعدوان ثلاثي شاركت فيه الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا بما أنه لا يوجد تفويض من مجلس الأمن الدولي محوره تهديد السلم والأمن العالميين يستوجب تدخلا عسكريا مباشرا. وفي ظل الموقف «الرصين» للجانب الروسي يهم التأكيد على أن هذا العدوان ليس سوى إحدى حلقات إعادة تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ بين القوى الكبرى ولعل من المفارقات أن الضغط الغربي على النظام السوري جاء بعد تطهير معظم المناطق التي خضعت لسنوات لسيطرة تنظيمات إرهابية أو متطرفة في علاقة بأجندات إقليمية من قبل الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين فيما كان دور الجيش التركي متمحورا حول المناطق الكردية. ومن المفارقات أن دحر تنظيم «داعش» الإرهابي سواء في العراق أو في سوريا أصبح يُستغل من قبل القوى الكبرى بدل التفكير في إعادة البناء وإعادة المهاجرين إلى مناطقهم الأصلية حيث أن ما يقارب السبعة ملايين لاجئ سوري يوجدون خارج بلادهم وقد يتم استغلالهم لغايات أخرى. ويبدو أن الضربات الصاروخية حملت رسالتين الأولى للروس مفادها أن عليهم العودة إلى مفاوضات جينيف بإشراف الأممالمتحدة والتخلي عن خيار مفاوضات الآستانة بما يعني أن «المجتمع الدولي» مازال لم يقل كلمته الأخيرة في ما يتعلق بالشأن السوري وأن ما أنجز عسكريا على الميدان لا يعني بالضرورة مكاسب سياسية. أما الرسالة الثانية فهي للرئيس السوري بشار الأسد وفحواها أن ساحة الحرب في سوريا والسيطرة عليها لا تخول التحكم في المسار التفاوضي أو أن تكون له أحقية وأسبقية مع بقية الفرقاء السوريين وأن «الحماية» الروسية محكومة بالواقعية ومحدودة في الدفاع عنه والدليل أن القوات الروسية لم تحاول اعتراض أي صاروخ. تبقى التعلات التي على أساسها تم توجيه الضربات الصاروخية حيث قامت فرنسا بدور العرّاب من خلال تقارير مخابراتها و»أدلتها» على استعمال أسلحة كيمياوية من قبل الجيش السوري، هذه التعلات تذكر بتبريرات وزير الخارجية الأمريكي السابق قبل غزو العراق في 2003 وكانت النتيجة فرض «الديمقراطية الأمريكية» على العراق وتمدد تنظيم «داعش» الإرهابي. لن نقول: أين العرب؟ لأن السؤال عنهم أضحى ميتافيزيقيا، ففيهم من ينهش لحم بعضه البعض وفيهم من يخطط لزرع الفوضى أو من يخطط لديمومة نظامه السياسي، لكن ما يجمع بينهم هو فقدان التحكم في المصير.