بعد مرور27 سنة على مقتل الشهيد رشيد الشماخي تحت التعذيب بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش بنابل سنة 1991 وبعد مرور قرابة سبع سنوات على نشر القضية أمام المحكمة بمختلف أطوارها الابتدائي والاستئنافي والتعقيبي الذي مازالت منشورة الى اليوم أمام أنظارها أحالت يوم الجمعة الفارط هيئة الحقيقة والكرامة ملف قضية الشهيد رشيد الشماخي على الدائرة القضائية المختصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بنابل التي من المنتظر أن تعيّن له أول جلسة للمحاكمة قريبا. وقد سبق وان عرضت هيئة الحقيقة والكرامة شهادة قاسم الشماخي شقيق الشهيد في جلسة الاستماع العلنية بتاريخ 18 نوفمبر 2016 قبل أن تحيل الملف على القضاء. وفي هذا السياق ذكر قاسم الشماخي شقيق الشهيد رشيد الشماخي ل «الصباح» أن هيئة الحقيقة والكرامة أحالت ملف القضية على ابتدائية نابل وسيقدم 33 متهما للمحاكمة في اطار العدالة الانتقالية قريبا باعتبار أنه سيتم تعيين أول جلسة للمحاكمة في ظرف شهر تقريبا ويعتبر هذا الأمر خطوة مهمة لكشف الحقيقة التي بقيت»مقبورة» لسنوات وخاصة محاسبة كل من تورط في قتل الشهيد من بعيد أو من قريب، وأضاف انه سبق وان تقدمت عائلته بقضية لكشف حقيقة مقتل الشهيد قي عهد المخلوع ولكن قاضي التحقيق المتعهد بها قام بعد شهر ونصف من وفاة الشماخي بحفظ القضية المتعلقة بالقتل العمد مع سابقيه الإضمار وذلك لعدم وجود جريمة حسب تبريره ثم تقدم الورثة بمطلب استئناف التحقيق في القضية لكن تم رفض مطلب التتبع بتاريخ 14 جانفي 1993». المسار القضائي اثر اندلاع الثورة تقدمت عائلة الشهيد رشيد الشماخي بشكاية لكشف المورطين في عملية قتله وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية بفتح بحث تعهد به أحد قضاة التحقيق بابتدائية قرمبالية وقد بلغ عدد الذين تم استنطاقهم في قضية الشهيد الشماخي 13 متهما من أجل تهمة التعذيب الصادر من موظف عمومي الناتج عنه الموت والمشاركة في ذلك من بينهم أربعة وزراء في النظام السابق وهم الصادق شعبان الذي كان يشغل زمن الحادثة مستشارا لدى رئيس الجمهورية وعبد االله القلال وزير داخلية في تلك الفترة وعبد الرحيم الزواري وزير العدل في تلك الفترة والبشير التكاري وزير عدل سابق الذي تم سماعه فيما بعد كشاهد ومحمد علي القنزوعي مدير عام المصالح المختصة بوزارة الداخلية في تلك الفترة كما استنطق قاضي التحقيق في ذات السياق ثلاثة أطباء ورئيس الفرقة المركزية الأولى للأبحاث والتفتيش بالعوينة سنة 1991 وآمر الحرس الوطني حينها ومدير ادارة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بالعوينة سنة 1991 ومرشد بفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس زمن الحادثة وكلّهم محالون بحالة سراح َكما استنطق رئيس فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل سنة 1991 ثم أصدر في شأنه بطاقة جلب بعد فراره من مكتب التحقيق كما أصدر بطاقتي جلب في شأن الرئيس المخلوع ومدير المستشفى الجهوي محمد الطاهر المعموري بنابل خلال شهر أكتوبر 1991قبل ان تتم احالة الملف على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل التي وجهت الاتهام الى21 متهما بينهم وزراء سابقون واطارات أمنية قاموا بتعقيب قرار الدائرة قبل ان تعود القضية من التعقيب لتنظر فيها دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل بهيئة مغايرة. شهادات بالجملة قاضي التحقيق المتعهد بالتحقيق في قضية رشيد الشماخي استمع أيضا إلى عديد الشهادات منها شهادة مستشار أول لدى رئيس الجمهورية وشهادة وكيل جمهورية وحاكم تحقيق سابقين وأمنيين وطبيب إضافة إلى سماع شهادة عائلة الشهيد وأقاربه وموقوفين كانوا شاهدوا حادثة وفاته سنة1991 بمركز ايقافه. كما تم في نفس الاطار إستخراج جثة رشيد الشماخي لإعادة فحصها من جديد وقد ورد في التقرير الطبي الصادر عن لجنة طبية متكونة من ثلاثة أطباء عيّنتهم المحكمة أن أسباب الوفاة ناتجة عن قصور كلوي مع حبس تبول مع قصور كبدي ناتج عن افراز العضلات لمادة عضوية سامة نتيجة اعتداء مما يؤكد فرضية التعذيب. تعذيب حتى الموت وكان الشهيد رشيد الشماخي ألقي القبض عليه واقتيد إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش بمنطقة الحرس الوطني بنابل صباح يوم24 أكتوبر1991 حيث بدأت عملية تعذيبه منذ وصوله إلى المقر الأمني ودون توجيه أية أسئلة له، إذ كانت النية منصبّة على الانتقام والقتل وجعله عبرة للآخرين بتعذيبه بشكل وحشي أمام بقية الموقوفين ولم يكن للاستجواب وهو ما تؤكده شهادة الموقوف حينها كمال الحميدي التي ذكر فيها أنه سمع رئيس الفرقة يقول للأعوان منذ أن جلب رشيد «أقتلوه»، وهو ما حصل فعلا إذ ُجّرد رشيد من جميع ملابسه و ُعلّق عاريا على طريقة «الروتي» وبدأ أحدهم بضربه بكل عنف على مؤخرته بواسطة عصا غليظة (دبوس) وكان عون ثان يضربه في نفس الوقت على رأسه قبل أن يتناوب على ضربه وتعذيبه عديد الأعوان، حتى انسلخ جلده ولم يعد يحتمل حتى الوقوف على رجليه ثم اقتيد الشهيد في مساء نفس اليوم إلى روضة البلدية الكائنة بحي غرة جوان بسليمان للبحث عن أسلحة مزعومة، ولم يقع العثور على أي سلاح ونقلوه إلى مركز لتربية النحل على ملك العائلة بمنطقة الشريفات أيضا لم يعثروا على أسلحة أثبتت كل التحريات المختلفة فيما بعد أنه لا وجود لها أصلا بعد ذلك أعادوه إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل أين مارسوا عليه أساليب تعذيب وحشية وكان الشهيد ينادي بما تبقّى له من قوة وصوت خافت»ارحموني.. ارحموني» الى أن فارق الحياة في الليلة الفاصلة بين يومي26 و27 أكتوبر1991 حين حاول الذهاب إلى المرحاض وهو مقيد بالأغلال.