التخفيض في سعر صرف الدينار بين 10 و20 % هو من أبرز مطالب صندوق النقد الدولي والذي جاء على لسان رئيس بعثة تونس في صندوق النقد «يورن روثر»، في تصريح لموقع «بلومبرغ» الأميركي المتخصص في الأسواق المالية، الذي شدد على مزيد تخفيض تونس في سعر عملتها بغاية تحقيق قدرة تنافسية أكبر لصادراتها مشيرا أنه لا يتوقع تراجعا كبيرا للدينار التونسي على اعتبار أن العملة التونسية اقتربت إلى حد ما إلى التوازن المطلوب. طالب صندوق النقد في أكثر من مناسبة بالتخفيض في سعر صرف الدينار حيث أكد أن التخفيض في سعر الدينار يتطلب التحول إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة، ممّا يسمح للدينار بالاستجابة إلى عرض العملة الأجنبية والطلب عليها، كما شدد أن مستويات العجز غير المسبوقة في الميزان التجاري والخدمات تحتم ضرورة إجراء تخفيض تدريجي في سعر الصرف. وأشار الصندوق سابقا إلى أن سياسة الصرف في تونس تتسم بالمغالاة أي أن سعر الدينار مازال مرتفعا رغم التراجع الذي يعرفه مقارنة بقيمته «الحقيقية» وهو ما يحتم ضرورة التخفيض من قيمة الدينار لدعم المنافسة وتشجيع التصدير. وكان قد شدد سابقا على الحد من تدخل البنك المركزي في سوق الصرف، حيث شهدت السنة المنقضية نشر وثيقة رسمية كانت قد أعدت منذ 2013 بشأن التخفيض في سعر الدينار تِؤكد اتجاه السلطات النقدية إلى التخفيض في سعر الصرف إزاء العملتين المرجعيتين (الأورو والدولار)، كما كشفت الوثيقة وضع آلية لهذه الخطة النقدية بتخلي البنك المركزي عن دعم استقرار سعر الصرف عبر الحد من تدخلاته في السوق. وكانت وزيرة المالية السابقة لمياء الزريبي صرحت أن البنك المركزي سيقلص تدخلاته لخفض الدينار تدريجيا ولكنه لن يسمح بانزلاق كبير للعملة المحلية مثلما حدث في مصر عندما جرى تعويم الجنيه. عن تداعيات التخفيض في سعر صرف الدينار استطلعت «الصباح» رأي زياد بن عمر المختص في الشأن المالي والاقتصادي الذي أفاد أن التخفيض في سعر العملة المحلية من شانه تعزيز القدرة التنافسية للمنتوج الوطني في الأسواق الخارجية مما يخول إمكانية الترفيع في حجم الصادرات قصد الحد من العجز في الميزان التجاري. تعميق التضخم المستورد إلا أنه استدرك قائلا إن سلبيات هذه الخطوة أكثر من إيجابياتها على اعتبار أن التخفيض في سعر الصرف سيؤدي ضرورة إلى تعميق التضخم المستورد في ظل التضخم الهام الذي تعرفه البلاد في الفترة الأخيرة الذي بلغ 7.6 % وهي نسبة كبيرة تعكس الارتفاع المتواصل لأسعار كل المواد الأولية وخاصة المصنعة، حيث أن أسعار المواد الأولية أو الاستهلاكية الموردة تعرف ارتفاعا جراء تدحرج الدينار مقابل العملات الأجنبية المرجعية، وأضاف أن هذا الإجراء سيؤدي ضرورة إلى تعميق أزمة المالية العمومية جراء تضخم حجم المديونية الخارجية. وأكد الخبير في الشأن الاقتصادي والمالي أن احتياطي تونس من العملة الصعبة سيواصل تدحرجه ما أدى إلى تراجع عدد أيام التوريد التي لا تتجاوز اليوم 77 يوم توريد وهو ما يعد تحت السقف المرجعي المحدد ب90 يوما. الجانب الإيجابي ليس مضمونا وفي ذات الصدد أكد الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان ل»الصباح» أن الجانب الإيجابي، أن التخفيض في سعر صرف الدينار بهدف الحد من عجز الميزان التجاري ودفع الصادرات، ليس مضمونا لا سيما وأن سعر الصرف يشهد تراجعا مضطردا منذ سنوات إذ بلغ خلال السنة المنقضية 2017 أكثر من 23 %، وبيّن قائلا «إننا لم نشهد أي تحسن على مستوى عجز الميزان التجاري كما لم نلاحظ أي تطور هام للصادرات.» ما يعني أن التخفيض بنية دعم الصادرات ليس مضمونا. وواصل الخبير شارحا أن تونس ستعيش على وقع التضخم المستورد حيث ستشهد أسعار المواد الأولية ارتفاعا وهو ما سيغذي التضخم المالي، وأكد أن كلفة الاستثمار في تونس ستكون باهظة بسبب ارتفاع المواد الأولية من جهة والمعدات من جهة أخرى. وشدد أن من أبرز سلبيات عملية التخفيض ارتفاع قيمة الدين الأجنبي على ميزانية الدولة التي تعرف انخراما ما سيجعل الدولة تبذل مجهودا أكبر من أجل تسديد ديونها، وأبرز سعيدان أن تونس تعيش على وقع معادلة صعبة على اعتبار أن أي إجراء يمكن أن تأخذه سيكون له تداعيات سلبية أكثر من الإيجابية وهو ما يحتم إصلاح الاقتصاد والمالية العمومية. ومن جانبه أفاد المستشار الاقتصادي لدى رئيس الحكومة فيصل دربال أن ما دعا إليه صندوق النقد الدولي حول التخفيض من قيمة الدينار بين 10 إلى 20 % خاطئ باعتبار أن التخفيض سيساهم في تدهور 7 مؤشرات اقتصادية على غرار العجز التجاري ونسبة التضخم والدين الخارجي وخدمة الدين وعجز الميزانية والقدرة الشرائية والمديونية .