يوم للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين... وآخر للتضامن مع القدس.. وثالث للتضامن مع الأقصى والأرض.. أيام ومواعيد التضامن بكل ما تحمله من دعم ورسائل معنوية ارتبطت بمسار القضية الفلسطينية، ولكنها تظل أقصى ما يمكن للشرعية الدولية وللمجتمع الدولي تقديمه لما كان ولايزال يوصف بالقضية الأكثر عدالة في تاريخ الإنسانية، وهي القضية التي ستخذلها كل القوانين الدولية ومؤسساتها التي ستعجز عن الانتصار لقيمها واحكامها في المساواة والحرية لكل شعوب العالم.. ولعل منظمة التحرير لم تجانب الصواب هذه المرة عندما أطلقت فعاليات يوم الأسير منذ 1974 وكأنها استشعرت أن معاناة الاسرى لن تكون هينة وأن معركة الكرامة ستطول خلف القضبان وستستوجب كل انواع النضال.. ولعل معركة الامعاء الخاوية ليست آخر المعارك التي يخوضها أبناء القضية .. أم الأسير حلمت أن تحضن ابنها الذي اختطفه الاحتلال طفلا وقد غزا الشيب شعره اليوم.. وجعلت من حلمها أمنية، ومطلبا رفعته الى مختلف السلطات الرسمية والهيئات الدولية.. انها أمنية واحدة تجمع أمهات الاسرى الفلسطينيين وهي أن يكتب لهن التمتع بالنظر في وجوه فلذات أكبادهن قبل الموت ... قد يكون لكل من كان خلف القضبان حكايته مع الاحتلال ولكن المأساة واحدة.. وبين أصغر سجين فلسطيني وهو الطفل شادي فراح الذي اعتقل وهو في طريقه من المدرسة الى البيت ولم يتجاوز التاسعة من عمره، وأقدمهم في الأسر وهو كريم يونس الذي قضى 36 عاما في السجن، يبقى الغموض سيد المشهد. فالحقيقة الوحيدة التي تجمع كل الاسرى أنه لا أحد يعلم ان كان سيغادر السجن حيا أم سيقضي بقية حياته هناك.. فالقوانين والمواثيق الدولية واتفاقات جنيف التي تحدد حقوق الاسرى وأسرى الحرب، لا تسري على الاسرى الفلسطينيين لأن السجان يعتبر نفسه فوق كل القوانين والاحكام والتشريعات وأنه وحده من يملك حق محاكمة هؤلاء أو الافراج عنهم... الكثير من أبناء الاسرى توارثوا نضال آبائهم ووجدوا أنفسهم في صفوف الاسرى.. أمنية واحدة تجمع أمهات الاسرى وأغلبهن طال بهن الانتظار ويذكرن بحرقة أن أزواجهن رحلوا ولم يكتب لهم أن يودعوا أبناءهم... بل ان بينهم من لم يكتب له معرفة طفله الذي ولد بعد سجنه بأسابيع ولم يسمح له بزيارته مطلقا، وإن بين أبناء الاسرى من دخل بدوره السجن طفلا ولم يغادره حتى اليوم.. مانديلا فلسطين لقب ينسحب على عشرات من «عمداء السجن» او جنرالات الصبر ممن قضوا أكثر من ثلاثين عاما خلف القضبان، وحتى من كتب له معانقة الحرية بعد صفقة تبادل الاسرى بين الاسرائيليين والفلسطينيين لاستعادة الجندي شاليت، قد أعيد اعتقاله.. نائل البرغوثي أحد هؤلاء الاسرى الذي يخوض مع غيره معركة الصمود والكرامة بعد إعادة اعتقاله.. قبل أيام اهتزت مختلف المواقع الاجتماعية لعملية اعتقال الطفلة الفلسطينية عهد التميمي على يد قوات الاحتلال في بيتها واختطافها ليلا من احضان عائلتها لتحاكم محاكمة المجرمين وتدفع ثمن جرأتها وشجاعتها في وجه الاحتلال.. ولكن الحقيقة ان عهد الطفلة الشقراء المتمردة لم تكن سوى صورة لأكثر من عهد وأكثر من أسير وأسيرة لم تصل حكايتهم الى العالم وظلت مغيبة عن الاعلام، ولكن ايضا عن الوعي الجماهيري والوعي العربي.. لغة الارقام التي يرصدها نادي الاسير الفلسطيني تعكس حجم المأساة وفظاعة الممارسات المرتبطة بالاحتلال الذي اعتقل أكثر من نصف مليون فلسطيني منذ 1967.. ويقبع حاليا في سجون الاحتلال 6500 أسير، من بينهم 350 طفلاً وقاصراً، و62 امرأة من بينهن 21 أماً، وثماني قاصرات، ومئات المعتقلين الاداريين وعدد من أعضاء المجلس التشريعي، وبينهم المناضل مروان البرغوثي وأحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين... قائمة «عمداء الاسرى» الذين قضوا أكثر من عشرين عاما في السجون تجاوزت السبعين أسيرا بتهمة المقاومة.. قد تكون فعاليات يوم الأسير الفلسطيني أعادت الى سطح الاحداث ولو لساعات أحد أعقد الملفات الانسانية المنسية والمتعلقة بأجيال من الاسرى والاسيرات الفلسطينيين، ولكنها لم تحقق أمنية أم الاسير.. مع ذلك يبقى الحلم المؤجل في معانقة الحرية يوما ما قائما.