مع بدء العد التنازلي لموعد أول انتخابات بلدية بعد الثورة، لا تبدو الرؤية المستقبلية واضحة أمام الناخب التونسي الذي تتقاذفه المخاوف والهواجس إزاء ما ستكون عليه الخارطة السياسية التي ستحدد مسار المواعيد الانتخابية الرئاسية والتشريعية اللاحقة سنة 2019... ولا شك أن أكثر من سبب من شأنه أن يفاقم حيرة التونسي وهو يتابع تعثر المشهد السياسي في البلاد وما آلت إليه تطورات الأزمة بين حكومة يوسف الشاهد واتحاد الشغل والتي باتت تنذر جديا بامتداد عدوى الانشقاقات والانقسامات التي عصفت بالأحزاب إلى المنظمة الشغيلة التي كانت ولا تزال الحصن المنيع للبلاد في وجه كل الاهتزازات السياسية.. ولا شك أن كل رسائل الطمأنة لإقناع الرأي العام بأن الأزمة باتت من الماضي لا يمكن أن تخفي الحقائق أو تلغي المخاوف.. وبعيدا عن لغة التنجيم والوقوع في استقراء ما تخفيه النوايا، فإن الأكيد أن أزمة الثقة الحاصلة اليوم بين النخب السياسية الحاكمة والقيادات الحزبية والنقابية وبين المواطن قد تكون الأسوأ.. والخوف كل الخوف من أن تؤدي أزمة الثقة الى عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات القادمة وإدارة ظهورهم لصناديق الاقتراع نتيجة ما أصابهم من إحباط وتواتر للخيبات. وفيما يبدو ظاهريا أن كل الشروط اللوجستية اكتملت لإنجاز هذا الاختبار الانتخابي، فإن الواقع يؤكد غير ذلك. طبعا الأمر لا يتوقف عند حدود ما جرى أول أمس تحت قبة مجلس نواب الشعب من إضراب أعوان وتقنيي مجلس نواب الشعب وتعطيل لاستكمال عملية التصويت على بقية فصول مشروع مجلة الجماعات المحلية المعلق (المتكون من 392 فصلا أنجز منه حتى الان نحو300) وذلك بسبب توقف اللوحات الالكترونية لاحتساب الأصوات... نقول هذا الكلام ونحن نعيش على وقع حملة انتخابية بلا روح أو طعم حيث طغت المظاهر الاحتفالية والنذر والذبائح و»الهدايا» وغاب عنها ما يمكن أن يستقطب اهتمام المواطن وقيم المواطنة والمصير المشترك.. وهذه ليست الملاحظة الوحيدة التي يمكن ان ترافق هذا الاختبار الانتخابي الحاسم في ظل الجدل المثير بين شروط الهايكا لتغطية الانتخابات وبين رفض القنوات التلفزية الخاصة التي اختارت المقاطعة وتجنب الخطايا المالية، وهي واحدة من النقاط التي كان يمكن الحوار بشأنها.. والمثير أيضا أن يتجه العسكريون يوم 29 أفريل للإدلاء بأصواتهم لأول مرة في هذا الاستحقاق الانتخابي بعد 2011، في الوقت الذي تستمر فيه الحملة الدعائية الانتخابية الى غاية موعد الصمت الانتخابي الذي يسبق الاستحقاق الانتخابي لعموم التونسيين في السادس من ماي القادم. ولا ندري صراحة ان كان المشرع أغفل أو تغافل عن هذه النقطة عن وعي أو عن غير وعي. وهو ما يمكن اعتباره أحد الإخلالات التي سترتبط بانتخابات السادس من ماي القادم. ما بقي من عمر الحملة الانتخابية غير المتكافئة بين الأحزاب المتنفذة والأحزاب الصغيرة والقائمات المستقلة أن تتجه لإقناع الناخب التونسي بجدوى المشاركة في الانتخابات، وحتى الآن لا يبدو الرهان محسوما أو بدون مفاجآت، والأرجح أن المشهد السياسي في البلاد بعد اختبار6 ماي قد يختلف عما سيكون عليه بعد هذا الموعد.. والناخب التونسي وحده صاحب القرار لاستعادة البوصلة وإعادة تنظيم مسؤولية الدوائر البلدية التي ستحدد توجهات وخيارات الديموقراطية التونسية الناشئة.. وحتى ذلك الحين ستظل الهواجس والمخاوف قائمة في النفوس..