لم يتخلص المشهد الثقافي في تونس بعد، من ارتهانه للموسمية وارتباط الأعمال من ناحية والحضور الفني في التظاهرات والمهرجانات من ناحية أخرى، بما في ذلك السهرات والمهرجانات الرمضانية بهذه المسألة، لتخضع بذلك أغلب البرمجة والعروض لعدة عوامل، كثيرا ما تؤثر عليها سلبيا. باعتبار أن شهر رمضان يعد موسم «ميسرة» ثقافية وفنية بامتياز، ولا يقتصر الأمر في ذلك على البرمجة التلفزية والإذاعية المتمثلة بالأساس في أعمال درامية و»سيتكومات» وغيرها من البرامج والمنوعات الخاصة بالشبكة الرمضانية، بل يشمل أيضا ما هو فني وموسيقي لتنشط الحركة الموسيقية خلال هذه الفترة خاصة أن السهرات الفنية أصبحت من تقاليد التونسي في السهرات الرمضانية في أغلب جهات الجمهورية. إذ لم تعد تفصلنا عن شهر رمضان سوى أيام قليلة، فيما تنكب أغلب الجهات والهيئات المنظمة للمهرجانات والليالي الرمضانية على ضبط برامج سهراتها باستثناء بعض الجهات القليلة التي حسمت الأمر بصفة مبكرة على غرار شيخ المهرجانات الرمضانية المتمثل في مهرجان المدينةبتونس الذي يدرك هذا العام دورته السادسة والثلاثين والذي يسجل عودته بقوة انطلاقا من هذا العام بعد التراجع الذي عرفه في الدورات الأخيرة خاصة أن دورة هذا العام تتضمن مجموعة قيمة من العروض سيكون كل من زياد غرسة والفاضل الجزيري من أبرز عناوينها. فلم تعد الساحة الثقافية تسجل محاولات ومساعي الفنانين والمنتجين وممارسي مهنة الوساطة والتعهد للتعريف بإنتاجهم والتسويق لعروضهم ومنظوريهم من الفنانين خاصة أن المادة الثقافية التي عادة ما تؤثث البرمجة الرمضانية لها طابع خاص ويطغى عليها المنحى الديني والصوفي والروحي والطربي بالنسبة للعروض الفنية. فيما تتميز الندوات الفكرية والمسامرات الثقافية بمواكبتها للراهن وتستقطب بدورها فئة معينة من هواة السمر والنقاشات والحوارات الجادة التي عادة ما يؤثثها أهل الاختصاص في الفكر والتاريخ والدين والثقافة فضلا عن عروض «الفداوي». أما في مستوى العروض المسرحية فان العروض التي تجمع بين الهزل والإبداع والإضحاك تحظى بدرجة أولى في البرمجة والإقبال في السهرات الرمضانية لذلك يتصدر الأمين النهدي بعرضه القديم الجديد «المكي وزكية» قائمة العروض المسرحية المبرمجة في رمضان إلى جانب العمل الجديد «دراقا» لبسام الحمراوي ونوفل الورتاني وغيرها من الأعمال المشابهة. طابع رسمي للبرمجة ولئن لا تزال الرؤية غير واضحة بالنسبة لأغلب المهرجانات والتظاهرات الخاصة بشهر رمضان، فإن وزارة الشؤون الثقافية كانت سباقة في الإعلان والكشف عن خطوطها العريضة في هذا المستوى. وذلك بان أعدت برمجة موسعة تشمل كامل جهات الجمهورية من خلال المندوبيات الجهوية للثقافة وغيرها من الهياكل والمؤسسات التابعة لها. إذ تسجل برمجة رمضان 2018 الثقافية ضبط 2188 عرضا ونشاطا يشمل مختلف القطاعات والاختصاصات الثقافية في كامل الجمهورية ستكون الفضاءات والهيكل والمندوبيات الثقافية مسرحا لها خلال هذه الفترة التي يروق فيها السهر للعائلات التونسية. يأتي ذلك في ظل تواصل غياب دعم «الثقافي» من ناحية وتراجع عجلة الانتاج بالنسبة للفنانين والمنتجين ولجوء أو سقوط البعض في التكرار لعروض ومادة غنائية جلها ليست من انتاجاهم الخاص باستثناء عدد قليل على غرار لطفي بوشناق الذي يملك رصيدا من الأغاني التي تتماشى و»أجواء» رمضان الفنية، لتحافظ هذه الفترة على حضور أبرز الأسماء التونسية تحديدا والتي تتميز بطاقات صوتية وأداء جيد للأغاني الطربية نذكر من بينهم شهرزاد هلال ونور الدين الباجي ورحاب الصغير والزين الحداد وغيرهم من الأصوات والمجموعات الفنية والموسيقية في مختلف جهات الجمهورية باعتبار أن أغلب المهرجانات والسهرات والليالي الخاصة بالجهات تراهن على أبناء الجهة في برمجتها وذلك نزولا عند إمكانيات كل تظاهرة او هيئة. فما تقدر على ضبطه مهرجانات كبرى في قيمة وعراقة مهرجان المدينة من برمجة عروض دولية تبقى مسألة غير ممكنة بالنسبة لأغلب التظاهرات والمهرجانات الأخرى. مدينة الثقافة منارة رمضانية استأثرت مدينة الثقافة في برمجة وزارة الشؤون الثقافية الرمضانية بالنصيب الأبرز من البرمجة الرمضانية لتتفرد وحدها ب81 عرضا وتظاهرة موزعة على مختلف القطاعات الفنية وسيكون للموسيقى والندوات والمسرح حضور مكثفا فيه لاسيما في ظل ما تتوفر عليه هذه المدينة من فضاءات وتجهيزات قادرة على احتضان كل الأنشطة والعروض الثقافية بما يجعلها منارة ثقافية ينتظر أن تستقطب أعدادا هامة من الجمهور التونسي ليس من فئة النخبة وأهل الثقافة والفنون فحسب بل الأمر متاح لكل العائلات التونسية. إذ تشمل برمجة «الميدنة» الرمضانية عرضا للفرقة الوطنية للموسيقى الشعبية التي تعود للنشاط والعمل وعرضا أخر للسلامية بقيادة نوفل العويني إضافة إلى عروض للرشيدية ومجموعة «الكندي» بقيادة حامد داود وفرقة مالوف تستور وغيرها من العروض الأخرى. أما بالنسبة للعروض المسرحية فمن المنتظر أن يحتضن مسرحها آخر انتاجات مراكز الفنون الدرامية والركحية. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة الثقافة ستحتضن أيضا بعض العروض الكبرى الخاصة بمهرجان المدينة على غرار عرض «الحضرة» للفاضل الجزيري. «الكافي شانطا» والمقاهي بعض الجهات الناشطة في الوسط الثقافي الرمضاني تحرص على المحافظة على بعض الظواهر الثقافية والفنية التي كانت سائدة في المجتمع التونسي والأوساط الثقافية في بداية القرن الماضي والمتمثلة بالأساس في «الكافي شانطا» التي تحافظ على جمهورها وحضورها في البرمجة الرمضانية خاصة وسط مدينة تونس فضلا عن البرمجة الثقافية التي أصبحت من تقاليد أغلب الفضاءات التجارية والمقاهي المنتصبة في هذه الناحية. والملفت أن هذه الفضاءات نجحت في استقطاب أعداد كبيرة من التونسيين من مختلف الفئات العمرية في السهرات الرمضانية.